وجملة : (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) تذييل لمضمون الجملتين قبلها ، أي لا يعزب عن علمه شيء. ومن ذلك علم من هو قابل للهدى ومن هو مصرّ على غيّه. وهذا تعريض بالوعد للأولين والوعيد للآخرين.
[٣٦ ـ ٣٨] (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (٣٧) لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٨))
تردد المفسرون في تعلق الجار والمجرور من قوله : (فِي بُيُوتٍ) إلخ. فقيل قوله : (فِي بُيُوتٍ) من تمام التمثيل ، أي فيكون (فِي بُيُوتٍ) متعلقا بشيء مما قبله. فقيل يتعلق بقوله : (يُوقَدُ) [النور : ٣٥] أي يوقد المصباح في بيوت. وقيل هو صفة لمشكاة ، أي مشكاة في بيوت وما بينهما اعتراض ؛ وإنما جاء بيوت بصيغة الجمع مع أن مشكاة و (مِصْباحٌ) [النور : ٣٥] مفردان لأن المراد بهما الجنس فتساوى الإفراد والجمع.
ثم قيل : أريد بالبيوت المساجد. ولا يستقيم ذلك إذ لم يكن في مساجد المسلمين يومئذ مصابيح وإنما أحدثت المصابيح في المساجد الإسلامية في خلافة عمر بن الخطاب فقال له علي : نوّر الله مضجعك يا بن الخطاب كما نورت مسجدنا. وروي أن تميما الداري أسرج المسجد النبوي بمصابيح جاء بها من الشام ولكن إنما أسلم تميم سنة تسع ، أي بعد نزول هذه الآية. وقيل البيوت مساجد بيت المقدس وكانت يومئذ بيعا للنصارى. ويجوز عندي على هذا الوجه أن يكون المراد بالبيوت صوامع الرهبان وأديرتهم وكانت معروفة في بلاد العرب في طريق الشام يمرون عليها وينزلون عندها في ضيافة رهبانها. وقد ذكر صاحب «القاموس» عددا من الأديرة. ويرجح هذا قوله : (أَنْ تُرْفَعَ) فإن الصوامع كانت مرفوعة والأديرة كانت تبنى على رءوس الجبال. أنشد الفراء :
لو أبصرت رهبان دير بالجبل |
|
لانحدر الرهبان يسعى ويصل |
والمراد بإذن الله برفعها أنه ألهم متّخذيها أن يجعلوها عالية وكانوا صالحين يقرءون الإنجيل فهو كقوله تعالى : (لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ) إلى قوله : (يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً) [الحج : ٤٠]. وعبر بالإذن دون الأمر لأن الله لم يأمرهم باتخاذ الأديرة في أصل النصرانية ولكنهم أحدثوها للعون على الانقطاع للعبادة باجتهاد منهم ، فلم ينههم الله عن ذلك إذ لا