والظاهر أن الآية تشمل جميع ما يتحقق فيه معاني الرتق والفتق إذ لا مانع من اعتبار معنى عام يجمعها جميعا ، فتكون الآية قد اشتملت على عبرة تعم كل الناس وكل عبرة خاصة بأهل النظر والعلم فتكون من معجزات القرآن العلمية التي أشرنا إليها في مقدمات هذا التفسير.
(وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ)
زيادة استدلال بما هو أظهر لرؤية الأبصار وفيه عبرة للناس في أكثر أحواله. وهو عبرة للمتأملين في دقائقه في تكوين الحيوان من الرطوبات. وهي تكوين التناسل وتكوين جميع الحيوان فإنه لا يتكون إلا من الرطوبة ولا يعيش إلا ملابسا لها فإذا انعدمت منه الرطوبة فقد الحياة ، ولذلك كان استمرار الحمى مفضيا إلى الهزال ثم إلى الموت.
وجعل هنا بمعنى خلق ، متعدية إلى مفعول واحد لأنها غير مراد منها التحول من حال إلى حال.
و (مِنَ الْماءِ) متعلق ب (جَعَلْنا). و (من) ابتدائية. وفرع عليه (أَفَلا يُؤْمِنُونَ) إنكارا عليهم عدم إيمانهم الإيمان الذي دعاهم إليه محمد صلىاللهعليهوسلم وهو الإيمان بوحدانية الله.
(وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١))
هذا من آثار فتق الأرض في حد ذاتها إذ أخرج الله منها الجبال وذلك فتق تكوين ، وجعل فيها الطّرق ، أي الأرضين السهلة التي يتمكن الإنسان من المشي فيها عكس الجبال.
والرواسي : الجبال ، لأنها رست في الأرض ، أي رسخت فيها.
والميد : الاضطراب. وقد تقدم في أول سورة النحل.
وتقدم في أول سورة النحل أن معنى (أَنْ تَمِيدَ) أن لا تميد ، أو لكراهة أن تميد.
والمعنى : وجعلنا في الأرض فجاجا. ولما كان (فِجاجاً) معناه واسعة كان في المعنى وصفا للسبيل ، فلما قدم على موصوفه انتصب على الحال. والمقصود إتمام المنة بتسخير سطح الأرض ليسلكوا منها طرقا واسعة ولو شاء لجعل مسالك ضيقة بين الجبال كأنها الأودية.