«المقامات» «ما لا يستحيل بالانعكاس» وبنى عليه المقامة السادسة عشرة ووضح أمثلة نثرا ونظما ، وفي معظم ما وضعه من الأمثلة تكلف وتنافر وغرابة ، وكذلك ما وضعه غيره على تفاوتها في ذلك والشواهد مذكورة في كتب البديع فعليك بتتبعها ، وكلما زادت طولا زادت ثقلا.
قال العلامة الشيرازي في «شرح المفتاح» : وهو نوع صعب المسلك قليل الاستعمال. قلت : ولم يذكروا منه شيئا وقع في كلام العرب فهو من مبتكرات القرآن.
ذكر أهل الأدب أن القاضي الفاضل البيساني زار العماد الكاتب فلما ركب لينصرف من عنده قال له العماد : «سر فلا كبا بك الفرس» ففطن القاضي أن فيه محسن القلب فأجابه على البديهة : «دام علا العماد» وفيه محسن القلب.
(وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤))
عنيت الآيات من أول السورة باستقصاء مطاعن المشركين في القرآن ومن جاء به بقولهم (أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) [الأنبياء : ٣] ، وقولهم : (أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ) [الأنبياء : ٥] وكان من جملة أمانيهم لما أعياهم اختلاق المطاعن أن كانوا يتمنون موت محمد صلىاللهعليهوسلم أو يرجونه أو يدبرونه قال تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) في سورة الطور [٣٠] ، وقال تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ) في [الأنفال : ٣٠].
وقد دلّ على أن هؤلاء هم المقصود من الآية قوله تعالى : (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) فلما كان تمنيهم موته وتربصهم به ريب المنون يقتضي أن الذين تمنوا ذلك وتربصوا به كأنهم واثقون بأنهم يموتون بعده فتتمّ شماتتهم ، أو كأنهم لا يموتون أبدا فلا يشمت بهم أحد ، وجه إليهم استفهام الإنكار على طريقة التعريض بتنزيلهم منزلة من يزعم أنهم خالدون.
وفي الآية إيماء إلى أن الذين لم يقدر الله لهم الإسلام ممن قالوا ذلك القول سيموتون قبل موت النبي عليه الصلاة والسلام فلا يشمتون به فإن الرسول صلىاللهعليهوسلم لم يمت حتى أهلك الله رءوس الذين عاندوه وهدى بقيتهم إلى الإسلام.
ففي قوله تعالى : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ) طريقة القول بالموجب ، أي أنك تموت كما قالوا ولكنهم لا يرون ذلك وهم بحال من يزعمون أنهم مخلدون فأيقنوا