حتى تكون الخيرات مفعولة للناس كلهم ، فحذف الفاعل للتعميم مع الاختصار لاقتضاء المفعول إياه.
واعتبار المصدر مصدرا لفعل مبني للنائب جائز إذا قامت القرينة. وهذا ما يؤذن به صنيع الزمخشري. على أن الأخفش أجازه بدون شرط.
ويجوز أن يكون (فِعْلَ الْخَيْراتِ) هو الموحى به ، أي وأوحينا إليهم هذا الكلام ، فيكون المصدر قائما مقام الفعل مرادا به الطلب ، والتقدير : افعلوا الخيرات ، كقوله تعالى : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ) [محمد : ٤].
وتخصيص (إِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ) بالذكر بعد شمول الخيرات إياهما تنويه بشأنهما لأن بالصلاة صلاح النفس إذ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وبالزكاة صلاح المجتمع لكفاية عوز المعوزين.
وهذا إشارة إلى أصل الحنيفية التي أرسل بها إبراهيم عليهالسلام.
ومعنى الوحي بفعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة أنه أوحي إليهم الأمر بذلك كما هو بيّن.
ثم خصّهم بذكر ما كانوا متميزين به على بقية الناس من ملازمة العبادة لله تعالى كما دلّ عليه فعل الكون المفيد تمكّن الوصف ، ودلت عليه الإشارة بتقديم المجرور إلى أنهم أفردوا الله بالعبادة فلم يعبدوا غيره قط كما تقتضيه رتبة النبوءة من العصمة عن عبادة غير الله من وقت التكليف كما قال يوسف : (ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ) [يوسف : ٣٨] وقال تعالى في الثناء على إبراهيم : (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [البقرة : ١٣٥].
[٧٤ ، ٧٥] (وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (٧٤) وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥))
عطف على جملة (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ) [الأنبياء : ٥١]. وقدّم مفعول (آتَيْنا) اهتماما به لينبه على أنه محل العناية إذ كان قد تأخر ذكر قصته بعد أن جرى ذكره تبعا لذكر إبراهيم تنبيها على أنه بعث بشريعة خاصة ، وإلى قوم غير القوم الذين بعث إليهم إبراهيم ، وإلى أنه كان في مواطن غير المواطن التي حلّ فيها إبراهيم ، بخلاف إسحاق ويعقوب في ذلك كله.