تناسي التشبيه. وهذا تكلف منهما ولم أدر ما ذا دعاهما إلى ارتكاب هذا التكلف.
وانتصب (حَصِيداً خامِدِينَ) على أن كليهما مفعول ثان مكرر لفعل الجعل كما يخبر عن المبتدأ بخبرين وأكثر ، فإن مفعولي (جعل) أصلهما المبتدأ والخبر وليس ثانيهما وصفا لأولهما كما هو ظاهر.
[١٦ ، ١٧] (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (١٦) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (١٧))
كثير في القرآن الاستدلال بإتقان نظام خلق السماوات والأرض وما بينهما على أن لله حكمة في خلق المخلوقات وخلق نظمهما وسننها وفطرها ، بحيث تكون أحوالها وآثارها وعلاقة بعضها ببعض متناسبة مجارية لما تقتضيه الحكمة ولذلك قال تعالى في سورة [الحجر: ٨٥] (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ). وقد بيّنا هنالك كيفية ملابسة الحق لكل أصناف المخلوقات وأنواعها بما يغني عن إعادته هنا.
وكثر أن ينبه القرآن العقول إلى الحكمة التي اقتضت المناسبة بين خلق ما في السماوات والأرض ملتبسا بالحق ، وبين جزاء المكلفين على أعمالهم على القانون الذي أقامته الشرائع لهم في مختلف أجيالهم وعصورهم وبلدانهم إلى أن عمّتهم الشريعة العامة الخاتمة شريعة الإسلام ، وإلى الحكمة التي اقتضت تكوين حياة أبدية تلقى فيها النفوس جزاء ما قدمته في هذه الحياة الزائلة جزاء وفاقا.
فلذلك كثر أن تعقب الآيات المبينة لما في الخلق من الحقّ بالآيات التي تذكر الجزاء والحساب ، والعكس ، كقوله تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) في آخر سورة [المؤمنين : ١١٥] ، وقوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) آخر [الحجر : ٨٥] ، وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) في سورة [ص : ٢٦ ـ ٢٨] ، وقوله تعالى : (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ) في سورة [الدخان : ٣٧ ـ ٤٠] ، وقوله