مخلص من ملام. وفي هذا إبطال لإلهية المقربين التي زعمها المشركون الذين عبدوا الملائكة وزعموهم بنات الله تعالى ، بطريقة انتفاء خاصية الإله الحق عنهم إذ هم يسألون عما يفعلون وشأن الإله أن لا يسأل. وتستخرج من جملة (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) كناية عن جريان أفعال الله تعالى على مقتضى الحكمة بحيث إنها لا مجال فيها لانتقاد منتقد إذا أتقن الناظر التدبّر فيها أو كشف له عما خفي منها.
(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٤))
جملة (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) تأكيد لجملة (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ) [الأنبياء : ٢١]. أكد ذلك الإضراب الانتقالي بمثله استعظاما لفظاعته وليبنى عليه استدلال آخر كما بني على نظيره السابق ؛ فإن الأول بني عليه دليل استحالة من طريق العقل ، وهذا بني عليه دليل بطلان بشهادة الشرائع سابقها ولا حقها ، فلقن الله رسولهصلىاللهعليهوسلم أن يقول : (هاتُوا بُرْهانَكُمْ) أي ، هاتوا دليلا على أنّ لله شركاء من شواهد الشرائع والرسل.
والبرهان : الحجة الواضحة. وتقدم في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ) في سورة النساء [١٧٤].
والإشارة في قوله تعالى (هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ) إلى مقدّر في الذهن يفسره الخبر. والمقصود من الإشارة تمييزه وإعلانه بحيث لا يستطيع المخاطب المغالطة فيه ولا في مضمونه ، كقوله تعالى : (هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) في سورة لقمان [١١] ، أي أن كتب الذكر أي الكتب الدينية في متناول الناس فانظروا هل تجدون في أحد منها أن لله شركاء وأن الله أذن باتخاذهم آلهة. وإضافة (ذِكْرُ) إلى (مَنْ مَعِيَ) من إضافة المصدر إلى مفعوله وهم المذكّرون ـ بفتح الكاف ـ.
والمعية في قوله تعالى (مَنْ مَعِيَ) معيّة المتابعة ، أي من معي من المسلمين ، فما صدق (من) الموصولة الأمم ، أي هذا ذكر الأمة التي هي معي ، أي الذكر المنزل لأجلكم. فالإضافة من إضافة المصدر إلى المفعول كقوله تعالى : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ) [الأنبياء : ١٠]. والمراد بقوله تعالى : (هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ) القرآن ، وأما قوله تعالى : (وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) فمعناه ذكر الأمم الذين هم قبلي يشمل جميع الكتب السالفة المعروفة : التوراة والزبور والإنجيل وكتاب لقمان. وهذا كقوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا