حالة كون هذا البشر حين يأتي بالآية يشبه رسالته رسالة الأولين ، والمشبه ذات والمشبه به معنى الرسالة وذلك واسع في كلام العرب. قال النابغة :
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي |
|
على وعل من ذي المطارة عاقل |
أي على مخافة وعل أو حالة كون الآية كما أرسل الأولون ، أي به.
(ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (٦))
استئناف ابتدائي جوابا على قولهم (كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) [الأنبياء : ٥] ، والمعنى: أن الأمم التي أرسل إليها الأولون ما أغنت فيهم الآيات التي جاءتهم كما وددتم أن تكون لكم مثلها فما آمنوا ، ولذلك حق عليهم الإهلاك فشأنكم أيها المشركون كشأنهم. وهذا كقوله تعالى : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) في سورة [الإسراء: ٥٩].
وإنما أمسك الله الآيات الخوارق عن مشركي مكة لأنه أراد استبقاءهم ليكون منهم مؤمنون وتكون ذرياتهم حملة هذا الدين في العالم ، ولو أرسلت عليهم الآيات البينة لكانت سنة الله أن يعقبها عذاب الاستئصال للذين لا يؤمنون بها. و (ما) نافية. و (من) في قوله تعالى (مِنْ قَرْيَةٍ) مزيدة لتأكيد النفي المستفاد من حرف (ما).
ومتعلق (آمَنَتْ) محذوف دل عليه السياق ، أي ما آمنت بالآيات قرية.
وجملة (أَهْلَكْناها) صفة ل (قَرْيَةٍ) ، وردت مستطردة للتعريض بالوعيد بأن المشركين أيضا يترقبون الإهلاك.
وذكرت القرية هنا مرادا بها أهلها ليبنى عليها الوصف بإهلاكها لأن الإهلاك أصاب أهل القرى وقراهم ، فلذلك قيل (أَهْلَكْناها) دون (أهلكناهم) كما في سورة [الكهف: ٥٩] (وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ).
وفرعت جملة (أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ) على جملة (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ) مقترنة باستفهام الإنكار ، أي فهم لا يؤمنون لو أتيناهم بآية كما اقترحوا كما لم يؤمن الذين من قبلهم الذين جعلوهم مثالا في قولهم (كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) [الأنبياء : ٥] وهذا أخذ لهم بلازم قولهم.