(يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ) [آل عمران : ١٦٧] فهو لزيادة التقرير والتشخيص.
ويفيد هذا الوصف وراء التوكيد تعريضا بالقوم المتحدث عنهم بأنهم لم ينتفعوا بأفئدتهممع شدّة اتصالها بهم إذ هي قارة في صدورهم على نحو قول عمر بن الخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : «فالآن أنت أحبّ إليّ من نفسي التي بين جنبيّ» ، فإن كونها بين جنبيه يقتضي أن تكون أحبّ الأشياء إليه.
(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٤٧))
عطف على جملة (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) [الحج : ٤٢] عطف القصة على القصة فإن من تكذيبهم أنهم كذبوا بالوعيد وقالوا : لو كان محمد صادقا في وعيده لعجّل لنا وعيده ، فكانوا يسألونه التعجيل بنزول العذاب استهزاء ، كما حكى الله عنهم في قوله : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [الأنفال : ٣٢] ، وقال : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [السجدة : ٢٨] فذكر ذلك في هذه الآية بمناسبة قوله (فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ) [الحج : ٤٤] الآية.
وحكي (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ) بصيغة المضارع للإشارة إلى تكريرهم ذلك تجديدا منهم للاستهزاء وتوركا على المسلمين.
والخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم والمقصود إبلاغه إياهم.
والباء من قوله (بِالْعَذابِ) زائدة لتأكيد معنى الاستعجال بشدّته كأنه قيل يحرصون على تعجيله. وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) في أول [سورة الرعد : ٦].
ولما كان استعجالهم إياه تعريضا منهم بأنهم موقنون بأنه غير واقع أعقب بقوله : (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) ، أي فالعذاب الموعود لهم واقع لا محالة لأنه وعد من الله والله لا يخلف وعده. وفيه تأنيس للنبي صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين لئلا يستبطئونه.
وقوله : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) عطف على جملة (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) ، فإن الله توعدهم بالعذاب وهو صادق على عذاب الدنيا والآخرة وهم إنما استعجلوا عذاب الدنيا تهكما وكناية عن إيقانهم بعدم وقوعه بلازم واحد ، وإيماء إلى عدم