وتصاريفه ، وإما دعوة خاصة عند كل سفر لمراكب سليمان فجعل الله الرياح الموسمية في بحار فلسطين مدة ملك سليمان إكراما له وتأييدا إذا كان همه نشر دين الحقّ في الأرض.
وإنما جعل الله الريح تجري بأمر سليمان ولم يجعلها تجري لسفنه لأن الله سخر الريح لكل السفن التي فيها مصلحة ملك سليمان فإنه كانت تأتيه سفن (ترشيش) ـ يظن أنها طرطوشة بالأندلس أو قرطجنة بإفريقية ـ وسفن حيرام ملك صور حاملة الذهب والفضة والعاج والقردة والطواويس وهدايا الآنية والحلل والسلاح والطيب والخيل والبغال كما في الإصحاح ١٠ من سفر الملوك الأول.
وجملة (وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ) معترضة بين الجمل المسوقة لذكر عناية الله بسليمان. والمناسبة أن تسخير الريح لمصالح سليمان أثر من آثار علم الله بمختلف أحوال الأمم والأقاليم وما هو منها لائق بمصلحة سليمان فيجري الأمور على ما تقتضيه الحكمة التي أرادها سبحانه إذ قال : (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ) [ص : ٢٠].
(وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ (٨٢))
هذا ذكر معجزة وكرامة لسليمان. وهي أن سخر إليه من القوى المجردة من طوائف الجنّ والشياطين التي تتأتّى لها معرفة الأعمال العظيمة من غوص البحار لاستخراج اللؤلؤ والمرجان ومن أعمال أخرى أجملت في قوله تعالى : (وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ). وفصّل بعضها في آيات أخرى كقوله تعالى : (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ) [سبأ : ١٣] وهذه أعمال متعارفة. وإنما اختصّ سليمان بعظمتها مثل بناء هيكل بيت المقدس وبسرعة إتمامها.
ومعنى (وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ) أن الله بقدرته سخرهم لسليمان ومنعهم عن أن ينفلتوا عنه أو أن يعصوه ، وجعلهم يعملون في خفاء ولا يؤذوا أحدا من الناس ؛ فجمع الله بحكمته بين تسخيرهم لسليمان وعلمه كيف يحكمهم ويستخدمهم ويطوعهم ، وجعلهم منقادين له وقائمين بخدمته دون عناء له ، وحال دونهم ودون الناس لئلا يؤذوهم. ولما توفّي سليمان لم يسخر الله الجنّ لغيره استجابة لدعوته إذ قال : (وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) [ص : ٣٥]. ولما مكّن الله النبي محمدا صلىاللهعليهوسلم من الجنيّ الذي كاد أن يفسد عليه صلاته وهمّ بأن يربطه ، ذكر دعوة سليمان فأطلقه فجمع الله له بين التمكين من الجنّ