التقدم في كل عمل. ومنه السبق في القول ، أي التكلم قبل الغير كما في هذه الآية. ونفيه هنا كناية عن عدم المساواة ، أي كناية عن التعظيم والتوقير. ونظيره في ذلك النهي عن التقدم في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) [الحجرات : ١] فإن التقدم في معنى السبق.
فقوله تعالى : (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ) معناه لا يصدر منهم قول قبل قوله ، أي لا يقولون إلّا ما أذن لهم أن يقولون. وهذا عام يدخل فيه الردّ على زعم المشركين أن معبوداتهم تشفع لهم عند الله إذا أراد الله عقابهم على أعمالهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله كما سيصرح بنفيه.
وتقديم (بِأَمْرِهِ) على (يَعْمَلُونَ) لإفادة القصر ، أي لا يعملون عملا إلا عن أمر الله تعالى فكما أنهم لا يقولون قولا لم يأذن فيه كذلك لا يعملون عملا إلا بأمره.
وقوله تعالى (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) تقدم نظيره في سورة البقرة [٢٥٥].
وقوله تعالى (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) تخصيص بالذكر لبعض ما شمله قوله تعالى (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ) اهتماما بشأنه لأنه مما كفروا بسببه إذ جعلوا الآلهة شفعاء لهم عند الله.
وحذف مفعول (ارْتَضى) لأنه عائد صلة منصوب بفعل ، والتقدير : لمن ارتضاه ، أي ارتضى الشفاعة له بأن يأذن الملائكة أن يشفعوا له إظهارا لكرامتهم عند الله أو استجابة لاستغفارهم لمن في الأرض ، كما قال تعالى (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) في سورة الشورى [٥]. وذلك الاستغفار من جملة ما خلقوا لأجله فليس هو من التقدم بالقول.
ثم زاد تعظيمهم ربهم تقريرا بقوله تعالى : (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) ، أي هم يعظمونه تعظيم من يخاف بطشته ويحذر مخالفة أمره.
و (مِنْ) في قوله تعالى (مِنْ خَشْيَتِهِ) للتعليل ، والمجرور ظرف مستقر ، وهو حال من المبتدأ. و (مُشْفِقُونَ) خبر ، أي وهم لأجل خشيته ، أي خشيتهم إياه.
والإشفاق : توقع المكروه والحذر منه.
والشرط الذي في قوله تعالى : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ) إلخ ... شرط