(ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) [الحج : ٣٠].
وجملة (وَمَنْ عاقَبَ) إلخ ، معطوفة على جملة (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) [الحج : ٥٨] الآية.
والغرض منها التهيئة للجهاد والوعد بالنصر الذي أشير إليه سابقا بقوله تعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) إلى قوله : (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج : ٣٩ ـ ٤٠] ، فإنه قد جاء معترضا في خلال النّعي على تكذيب المكذبين وكفرهم النعم ، فأكمل الغرض الأول بما فيه من انتقالات ، ثمّ عطف الكلام إلى الغرض الذي جرت منه لمحة فعاد الكلام هنا إلى الوعد بنصر الله القوم المعتدى عليهم كما وعدهم بأن يدخلهم في الآخرة مدخلا يرضونه.
وجيء بإشارة الفصل للتنبيه على أهمية ما بعده.
وما صدق (من) الموصولة العموم لقوله فيما سلف (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) [الحج : ٣٩] ، فنبه على أن القتال المأذون فيه هو قتال جزاء على اعتداء سابق كما دلّ عليه أيضا قوله (بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) [الحج : ٣٩].
وتغيير أسلوب الجمع الذي في قوله (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ) [الحج : ٣٩] إلى أسلوب الإفراد في قوله (وَمَنْ عاقَبَ) للإشارة إلى إرادة العموم من هذا الكلام ليكون بمنزلة القاعدة الكلية لسنّة من سنن الله تعالى في الأمم.
ولما أتي في الصلة هنا بفعل (عاقَبَ) مع قصد شمول عموم الصلة للذين أذن لهم بأنهم ظلموا علم السامع أنّ القتال المأذون لهم به قتال جزاء على ظلم سابق.
وفي ذلك تحديد لقانون العقاب أن يكون مماثلا للعدوان المجزى عليه ، أي أن لا يكون أشدّ منه.
وسمّي اعتداء المشركين على المؤمنين عقابا في قوله (بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ) لأن الذي دفع المعتدين إلى الاعتداء قصد العقاب على خروجهم عن دين الشرك ونبذ عبادة أصنامهم. ويعلم أنّ ذلك العقاب ظلم بقوله فيما مضى : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ) [الحج : ٤٠].
ومعنى (بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ) المماثلة في الجنس فإن المشركين آذوا المسلمين