وعن مجاهد ، عن ابن الزبير : أنها مدنية. ورواه العوفي عن ابن عباس.
وقال الجمهور هذه السورة بعضها مكيّ وبعضها مدنيّ وهي مختلطة ، أي لا يعرف المكيّ بعينه ، والمدنيّ بعينه. قال ابن عطيّة : وهو الأصح.
وأقول : ليس هذا القول مثل ما يكثر أن يقولوه في بضع آيات من عدة سور : إنها نزلت في غير البلد الذي نزل فيه أكثر السورة المستثنى منها ، بل أرادوا أن كثيرا منها مكيّ وأن مثله أو يقاربه مدني ، وأنه لا يتعين ما هو مكيّ منها وما هو مدنيّ ولذلك عبروا بقولهم: هي مختلطة. قال ابن عطية : روي عن أنس بن مالك أنه قال : «نزل أول السورة في السفر فنادى رسول الله بها فاجتمع إليه الناس» وساق الحديث الذي سيأتي. يريد ابن عطيّة أن نزولها في السفر يقتضي أنها نزلت بعد الهجرة.
ويشبه أن يكون أولها نزل بمكة فإن افتتاحها ب (يا أَيُّهَا النَّاسُ) [الحج : ١] جار على سنن فواتح السور المكيّة. وفي أساليب نظم كثير من آياتها ما يلائم أسلوب القرآن النازل بمكة. ومع هذا فليس الافتتاح ب (يا أَيُّهَا النَّاسُ) بمعيّن أن تكون مكية ، وإنما قال ابن عباس : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) يراد به المشركون. ولذا فيجوز أن يوجّه الخطاب به إلى المشركين في المدينة في أول مدة حلول النبي صلىاللهعليهوسلم بها ، فإن قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [الحج : ٢٥] يناسب أنه نزل بالمدينة حيث صدّ المشركون النبي والمؤمنين عن البقاء معهم بمكة. وكذلك قوله : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍ) [الحج : ٣٩ ـ ٤٠] فإنه صريح في أنه نزل في شأن الهجرة.
روى الترمذي بسنده عن ابن عباس قال : لما أخرج النبي من مكة قال أبو بكر : أخرجوا نبيئهم ليهلكن فأنزل الله : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ) [الحج : ٣٩ ـ ٤٠] ، وكذلك قوله : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً) [الحج : ٥٨] ففيه ذكر الهجرة وذكر من يقتل من المهاجرين وذلك مؤذن بجهاد متوقع كما سيجيء هنالك.
وأحسب أنه لم تتعيّن طائفة منها متوالية نزلت بمكة ونزل ما بعدها بالمدينة بل نزلت آياتها متفرقة. ولعلّ ترتيبها كان بتوقيف من النبي صلىاللهعليهوسلم ومثل ذلك كثير.