وقد تبين أن (الذين كفروا) المذكورين هنا هم فريق من المشركين الذين هم مأيوس من إيمانهم ، فالإتيان في ذكرهم بالتعريف بالموصول إما أن يكون لتعريف العهد مرادا منه قوم معهودون كأبي جهل والوليد بن المغيرة وأضرابهم من رءوس الشرك وزعماء العناد دون من كان مشركا في أيام نزول هذه الآية ثم من آمن بعد مثل أبي سفيان بن حرب وغيره من مسلمة الفتح وإما أن يكون الموصول لتعريف الجنس المفيد للاستغراق على أن المراد من الكفر أبلغ أنواعه بقرينة قوله : (لا يُؤْمِنُونَ) فيكون عاما مخصوصا بالحس لمشاهدة من آمن منهم أو يكون عاما مرادا به الخصوص بالقرينة وهذان الوجهان هما اللذان اقتصر عليهما المحققون من المفسرين وهما ناظران إلى أن الله أخبر عن هؤلاء بأنهم لا يؤمنون فتعيّن أن يكونوا ممن تبين بعد أنه مات على الكفر.
ومن المفسرين من تأوّل قوله تعالى : (الَّذِينَ كَفَرُوا) على معنى الذين قضى عليهم بالكفر والشقاء ونظره بقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) [يونس : ٩٦] وهو تأويل بعيد من اللفظ وشتان بينه وبين تنظيره. ومن المفسرين من حمل (الَّذِينَ كَفَرُوا) على رؤساء اليهود مثل حيي بن أخطب وأبي رافع يعني بناء على أن السورة نزلت في المدينة وليس فيها من الكافرين سوى اليهود والمنافقين وهذا بعيد من عادة القرآن وإعراض عن السياق المقصود منه ذكر من حرم من هدي القرآن في مقابلة من حصل لهم الاهتداء به ، وأيّا ما ما كان فالمعنى عند الجميع أن فريقا خاصا من الكفار لا يرجى إيمانهم وهم الذين ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وروى ذلك عن ابن عباس والمقصود من ذلك أن عدم اهتدائهم بالقرآن كان لعدم قابليتهم لا لنقص في دلالة القرآن على الخير وهديه إليه.
والكفر بالضم : إخفاء النعمة ، وبالفتح : الستر مطلقا وهو مشتق من كفر إذا ستر. ولما كان إنكار الخالق أو إنكار كماله أو إنكار ما جاءت به رسله ضربا من كفران نعمته على جاحدها ، أطلق عليه اسم الكفر وغلب استعماله في هذا المعنى. وهو في الشرع إنكار ما دلت عليه الأدلة القاطعة وتناقلته جميع الشرائع الصحيحة الماضية حتى علمه البشر وتوجهت عقولهم إلى البحث عنه ونصبت عليه الأدلة كوحدانية الله تعالى ووجوده ولذلك عد أهل الشرك فيما بين الفترة كفارا. وإنكار ما علم بالضرورة مجيء النبي صلىاللهعليهوسلم به ودعوته إليه وعده في أصول الإسلام أو المكابرة في الاعتراف بذلك ولو مع اعتقاد صدقه ولذلك عبر بالإنكار دون التكذيب. ويلحق بالكفر في إجراء أحكام الكفر عليه كل قول أو