فعل لا يجترئ عليه مؤمن مصدق بحيث يدل على قلة اكتراث فاعله بالإيمان وعلى إضماره الطعن في الدين وتوسله بذلك إلى نقض أصوله وإهانته بوجه لا يقبل التأويل الظاهر وفي هذا النوع الأخير مجال لاجتهاد الفقهاء وفتاوى أساطين العلماء إثباتا ونفيا بحسب مبلغ دلالة القول والفعل على طعن أو شك. ومن اعتبر الأعمال أو بعضها المعين في الإيمان اعتبر فقدها أو فقد بعضها المعين في الكفر.
قال القاضي أبو بكر الباقلاني : القول عندي أن الكفر بالله هو الجهل بوجوده والإيمان بالله هو العلم بوجوده فالكفر لا يكون إلا بأحد ثلاثة أمور أحدها الجهل بالله تعالى ، الثاني أن يأتي بفعل أو قول أخبر الله ورسوله أو أجمع المؤمنون على أنه لا يكون إلا من كافر كالسجود للصنم ، الثالث أن يكون له قول أو فعل لا يمكن معه العلم بالله تعالى.
ونقل ابن راشد في «الفائق» عن الأشعري رحمهالله أن الكفر خصلة واحدة. قال القرافي في الفرق ٢٤١ أصل الكفر هو انتهاك خاص لحرمة الربوبية ويكون بالجهل بالله وبصفاته أو بالجرأة عليه وهذا النوع هو المجال الصعب لأن جميع المعاصي جرأة على الله.
وقوله : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) خبر (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) و (سواء) اسم بمعنى الاستواء فهو اسم مصدر دل على ذلك لزوم إفراده وتذكيره مع اختلاف موصوفاته ومخبراته فإذا أخبر به أو وصف كان ذلك كالمصدر في أن المراد به معنى اسم الفاعل لقصد المبالغة. وقد قيل إن (سواء) اسم بمعنى المثل فيكون التزام إفراده وتذكيره لأن المثلية لا تتعدد ، وإن تعدد موصوفها تقول هم رجال سواء لزيد بمعنى مثل لزيد.
وإنما عدي سواء بعلى هنا وفي غير موضع ولم يعلق بعند ونحوها مع أنه المقصود من الاستعلاء في مثله ، للإشارة إلى تمكن الاستواء عند المتكلم وأنه لا مصرف له عنه ولا تردد له فيه فالمعنى سواء عندهم الإنذار وعدمه.
واعلم أن للعرب في سواء استعمالين : أحدهما أن يأتوا بسواء على أصل وضعه من الدلالة على معنى التساوي في وصف بين متعدد فيقع معه (سواء) ما يدل على متعدد نحو ضمير الجمع في قوله تعالى : (فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ) [النحل : ٧١] ونحو العطف في قول بثينة :
سواء علينا يا جميل بن معمر |
|
إذا مت بأساء الحياة ولينها |