أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها) فلفظه عام ومعناه خاص لأنها تركت أشياء كثيرة لم تدمرها ، وانما دمرت ما لهم كله فكان كما قال الله عزوجل : (فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) وكل هذه الاخبار من هلاك الأمم تخويف وتحذير لامة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً) اى قد أعطيناهم فكفروا فنزل بهم العذاب فاحذروا ان لا ينزل بكم ما نزل بهم ، وقوله : و (إِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ) القول الى قوله : فلما قضى ولوا (إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا) الى قوله : (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) فهذا كله حكاية عن الجن وكان سبب نزول هذه الاية ان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خرج من مكة الى سوق عكاظ ومعه زيد بن حارثة يدعو الناس الى الإسلام ، فلم يجبه أحد ولم يجد أحدا يقبله ، ثم رجع الى مكة فلما بلغ موضعا يقال له وادي مجنة (١) تهجد بالقرآن في جوف الليل ، فمر به نفر من الجن فلما سمعوا قراءة رسول الله صلىاللهعليهوآله استمعوا له ، فلما سمعوا قرآنه قال بعضهم لبعض : أنصتوا يعنى أسكتوا ، «فلما قضى» اى فرغ رسول الله صلىاللهعليهوآله من القرآن (وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ) الى قوله (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) فجاؤا الى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأسلموا وآمنوا وعلمهم رسول الله صلىاللهعليهوآله شرايع الإسلام ، فأنزل الله عزوجل على نبيه صلىاللهعليهوآله (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) السورة كلها فحكى الله عزوجل قولهم وولى عليهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم منهم ، وكانوا يعودون الى رسول الله صلىاللهعليهوآله في كل وقت ، فأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أن يعلمهم وينفعهم ، فمنهم مؤمنون وكافرون وناصبون ويهود ونصارى ومجوس وهم ولد الجان.
٣١ ـ وسئل العالم صلوات الله عليه عن مؤمن الجن أيدخلون الجنة؟ فقال : لا ولكن لله حظاير (٢) بين الجنة والنار يكون فيها مؤمني الجن وفساق الشيعة.
__________________
(١) المجنة : الأرض الكثيرة الجن.
(٢) حظائر جمع الحظيرة : الموضع الذي يحاط عليه لتأوى اليه الغنم والإبل وسائر الماشية يقيها البرد والريح.