أبو علي بن حمكان (١) ، حدّثني إبراهيم بن محمّد بن يحيى المزكّي النيسابوري ، حدّثنا محمّد ابن إسحاق بن خزيمة ـ بنيسابور ـ حدّثنا الربيع بن سليمان (٢) قال :
أصحاب مالك كانوا يفخرون فيقولون إنه يحضر مجلس مالك نحو من ستين معمّما ، والله لقد عددت في مجلس الشّافعي ثلاثمائة معمّما (٣) سوى من شذّ عنّي.
أخبرنا أبو الأعزّ التركي ، أنبأنا الحسن بن علي ، أنبأنا علي بن عبد العزيز ، أنبأنا ابن أبي حاتم ، حدّثنا أحمد بن سلمة بن عبد الله النيسابوري قال : قال أبو بكر محمّد بن إدريس ورّاق الحميدي (٤) : سمعت الحميدي يقول : قال محمّد بن إدريس الشّافعي :
خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفراسة حتى كتبتها وجمعتها ، فلما حان انصرافي مررت على رجل في طريقي وهو محتبي بفناء داره ، أزرق العين ، ناتئ الجبهة ، سناط ، فقلت له : هل من منزل؟ فقال : نعم ، قال الشّافعي : وهذا النعت أخبث ما يكون في الفراشة ، فأنزلني فرأيت أكرم رجل بعث إليّ بعشاء طيّب ، وعلف لدابتي ، وفراش ولحاف ، فجعلت أتقلّب الليل أجمع ما أصنع بهذه الكتب ، إذ رأيت النعت في هذا الرجل ، فرأيت أكرم رجل فقلت : أرمي بهذه الكتب ، فلمّا أصبحت قلت للغلام : أسرج ، فأسرج ، وركبت ومررت عليه وقلت له : إذا قدمت مكة فمررت بذي طوى ، فسل عن منزل محمّد بن إدريس الشّافعي فقال لي الرجل : أمولى لأبيك أنا؟ قلت : لا ، قال : فهل كانت لك عندي نعمة؟ فقلت : لا ، فقال : أين ما تكلّفت لك البارحة؟ قلت : وما هو؟ قال : اشتريت لك طعاما بدرهمين وإداما بكذا ، وعطرا بثلاثة دراهم ، وعلفا لدابتك بدرهمين وكراء الفراش واللحاف درهمين ، قال : قلت : يا غلام أعطه ، فهل بقي من شيء؟ قال : كري المنزل ، فإنّي وسعت عليك وضيّقت على نفسي.
قال الشّافعي : فغبطت نفسي بتلك الكتب فقلت له بعد ذلك : هل بقي من شيء؟ قال : امض أخزاك الله ، فما رأيت قطّ أشرّ منك.
__________________
(١) هو أبو علي الحسن بن الحسين بن حمكان الحمداني الفقيه الشافعي نزيل بغداد ، العبر ٣ / ٨٩ (وفيات سنة ٤٠٥).
(٢) سير أعلام النبلاء ١٠ / ٣٩ وتاريخ الإسلام (حوادث سنة ٢٠١ ـ ٢١٠) ص ٣٢٥.
(٣) كذا بالأصل ، وم ، ود ، و «ز» ، وفي المصدرين السابقين والمختصر : ثلاثمائة معمم.
(٤) من طريقه في تاريخ الإسلام (حوادث سنة ٢٠١ ـ ٢١٠) ص ٣٢٦ وسير أعلام النبلاء ١٠ / ٤٠ وحلية الأولياء ٩ / ٧٨ مختصرا.