أم .... (١) وضعه أم تسوية سوره (٢)؟
فقال له الرشيد : لقد ادّعيت من علوم القرآن أمرا عظيما ، فكيف علمك في الأحكام؟ قال : أفي الفتاوى أم في الطلاق أم في القضايا أم في الأشربة أم في المحاربات أم في الديات؟ قال : فكيف علمك بالطب؟ قال : أعرف منه ما قالت الروم وبابل وبقراط وساهمرد وأرسطاطالس وجالينوس ، فقال : فكيف علمك بالنجوم؟ قال : أعرف القطب الدائر والمائي والنهاري والمذكر والمؤنث وما أهتدي به في بري وبحري ، قال : فكيف علمك بالشعر؟ قال : أعرف الشاذّ منه وما نبّه للمكارم قال : فكيف علمك بأنساب العرب؟ قال : أعرف نسب الكرام ، وفيها نسب أمير المؤمنين ونسبي.
فقال له الرشيد : لقد ادّعيت من العلوم أمرا عظيما يطول به المحنة ، فعظ أمير المؤمنين موعظة يعين له فيها كلّما قلت ، قال : نعم يا أمير المؤمنين على رفع الحشمة ، وترك الهيبة ، وقبول النصح ، وإلقاء رداء الكبر عن منكبيك (٣)؟ قال : لك ذلك ، قال : فجثا الشافعي على ركبتيه ثم نادى : يا ذا الرجل ، إنه من أطال عنان الأمن في العزة طوى عذر الحذر في المهلة ، ومن لم يعدل على طرق النجاة كان بجانب قلة الاكتراث بالمرجع إلى الله مقيما ، ومن أحسن الظن كان في أمنة المحذور في مثل نسج العنكبوت لا يأمن عليها نفسها أو يحجرها عن شفقتها ألا ولو جرّعها سمّ مخالفتها لبادرت مطايا خوف المراجعة بالنزول إلى دار المقام ، لو فعلت ذلك يا رجل ما امتدت إليك يد الندامة ولا ابتدرتك الحسرات غدا في القيامة لكنه أوتيت من خلد لا يؤدي إليك فهمك ، ومن أذن تمجّ الكلام من سمعك فمن ثمّ أعقبك التواني ، والاغترار بنفسك ، ألا ولو كان له أمير من عقلك يفتقد لك ما سقط من عيبك لشغلك ذلك عن النظر في عيب غيرك ، لكن ضرب الهوى عليك رواق الحيرة فتركك ، وإذا أخرجت يد موعظة لم تكد تراها ، ومن لم يجعل الله له نورا ما له من نور.
قال : فبكى الرشيد بكاء شديدا حتى بلّ منديلا كان بين يديه ، فقال له خاصة من يقوم على رأسه : اسكت ، فقد أبكيت عينيّ أمير المؤمنين ، فالتفت إليهم فقال : يا عبيد الرجعة ، والذين باعوا أنفسهم من محبوب الدنيا ، أما رأيتم ما استدرج به من قبلكم من الأمم
__________________
(١) كلمة غير واضحة ورسمها بالأصل : «؟؟؟ س» وفي م : «؟؟؟ سير» وفي د : سيق.
(٢) من قوله : أم أنسيه إلى هنا سقط من المختصر.
(٣) الأصل : منكبك ، والمثبت عن د ، وز.