أخبرنا أبو الفتح نصر الله بن محمّد ، أنبأنا أبو البركات المقرئ ، أنبأنا أبو القاسم الأزهري ، أنبأنا أبو علي بن حمكان ، حدّثني أبو أحمد عبد الله (١) بن أحمد بن إسماعيل العطّار الجرباذقاني ـ بها (٢) ـ حدّثنا إبراهيم بن متّويه الإمام الأصبهاني قال : سمعت المزني أبا إبراهيم يقول : قال لي الشّافعي : حضرت مالك بن أنس وأنا أسمع منه الحديث ولي دون الأربع عشرة سنة (٣) ، فجاءه رجل ، فوقف عليه ثم قال له : إنّي رجل أبيع القماري فبعت قمريا (٤) على هذه ، فرده إليّ فقال : ما له صوت ، فحلفت بالطلاق أنه لا يسكت ، فقال : أوسكت؟ قلت : نعم ، قال : أنت حانث ، قال الشّافعي : فتبعته ، فقلت له : يا رجل كيف حلفت؟ قال : حلفت بما سمعت ، قال : فقلت له : صياحه أكثر أم سكوته؟ فقال : صياحه ، فقلت : مرّ ، فإن امرأتك لك حلال ، قال : فما ذا أصنع وقد أفتاني مالك بما أفتى ، فقال : عد إليه فقل له : إن في مجلسك من أفتاني بأن امرأتي هي لي حلال وأومئ إليّ ودعني وإيّاه ، فرجع ورجعت وجلست فيما بين الناس ، فقال له : إنّي رأيت أن تنظر في يميني ، قال : أليس قد أفتيناك بأنك حانث؟ فقال : في مجلسك من أفتاني بأنّ امرأتي هي لي حلال ، قال : أفي مجلسي؟ قال : نعم ، قال : ومن هو؟ فأومأ إليّ ، فقال لي مالك : أنت أفتيته بذلك؟ قلت : نعم ، قال : ولما ذا أفتيته بذلك؟ فقلت له : سمعتك تروي عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لفاطمة بنت قيس (٥) : «إذا حللت فآذنيني» ، فلمّا حلّت قالت له : قد خطبني معاوية وأبو جهم ، فقال : «أما معاوية فصعلوك لا مال له ، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه» وعلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّ أبا جهم يضع عصاه عن عاتقه ويتصرف في أموره ، فإنّما نسب إلى ضرب النساء ، فذكر أنه لا يضع عصاه عن عاتقه ، وحمله على الأغلب من أمره ، وإنّي سألته وقلت : سكوته أكثر أم صياحه؟ فقال : صياحه ، فأفتيته بذلك ، قال : فتبسم مالك وقال : القول قولك ، ثم ناظرني عبد الملك فضرب بيده بين منكبيه فقال : افت فقد آن لك أن تفتي.
__________________
(١) في معجم البلدان (جرباذقان) والأنساب (الجرباذقاني) : عبيد الله.
(٢) يعني بجرباذقان : بالفتح ، بلدة قريبة من همذان ، بينها وبين الكرج وأصبهان.
(٣) بالأصل وم وت ود : الأربعة عشر سنة.
(٤) القمري ، واحد القماري ، وهو طائر يشبه الحمام.
(٥) وكانت فاطمة بنت قيس قد طلّقها زوجها أبو عمرو بن حفص البتة وهو غائب ـ طلقها ثلاثا ـ فجاءت تعرض أمرها على رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
راجع الحديث في صحيح مسلّم (١٨) كتاب الطلاق رقم ١٤٨٠.