أنبأنا أبو علي الحداد ، أنبأنا أبو نعيم الحافظ قال (١) : وحكي لي عن (٢) عبد الواحد بن بكر ، حدّثني محمّد بن عبد العزيز قال : سمعت أبا عبد الله الرملي يقول : تكلم أبو حمزة في جامع طرسوس فقبلوا ، فبينا هو ذات يوم يتكلم إذ صاح غراب على سطح الجامع فزعق أبو حمزة وقال : لبّيك لبيك فنسبوه إلى الزندقة ، وقالوا : حلولي زنديق ، فشهدوا ، وأخرج وبيع فرسه بالمناداة على باب الجامع : هذا فرس الزنديق ، فذكر أبو عمر (٣) البصري قال : اتّبعته والناس وراءه يخرجونه من باب الشام ، فرفع رأسه إلى السماء وقال :
لك من قلبي المكان المصون |
|
كلّ عتب عليّ فيك يهون |
أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر ، أنبأنا أبو بكر البيهقي قال : سمعت أبا عبد الرّحمن السّلمي يقول : سمعت يوسف بن عمر الزاهد يقول : سمعت محمّد بن الحسين الآجري يقول : سمعت عبد الله بن محمّد العطشي يقول : سمعت أبا حمزة يقول : من ذاق حلاوة عمل صبر على تجرّع مرارة صرفه ، ومن صفت فكرته استلذّ ذوقه ، واستوحش ممن يشغله.
أخبرنا أبو سعد عبد الله بن أسعد بن أحمد بن محمّد بن حيّان ، أنبأنا أبو بكر بن خلف ، أنبأنا أبو عبد الرّحمن السّلمي قال : سئل أبو حمزة البغدادي هل يتفرغ المحبّ إلى شيء سوى محبوبه؟ فقال : لا ، لأنه بلاء دائم ، وسرور منقطع ، وأوجاع متصلة لا يعرفها إلّا من باشرها ، وأنشد :
يقاسي المقاسي شجوه دون غيره |
|
وكلّ بلاء عند لاقيه أوجع |
قال : وسمع أبو حمزة رجلا من أصحابه وهو يلوم بعض إخوانه على إظهاره وجده وغلبة الحال عليه ، وإظهار سرّه في مجلس فيه بعض الأضداد ، فقال أبو حمزة : أقصر يا أخي ، فالوجد الغالب يسقط التمييز ، ويجعل الأماكن كلّها مكانا واحدا ، والأعيان عينا واحدة لا لوم على من غلب عليه وجده فاضطره إلى ذلك ، وما أحسن ما قال ابن الرومي :
فدع المحبّ من الملامة إنّها |
|
بئس الدواء الموجع مقلاق |
لا تطفئن جوى بلوم إنه |
|
كالريح يفري النار بالإحراق |
أخبرنا أبو منصور بن خيرون ، أنبأنا أبو بكر الخطيب قال : قرأت في كتاب أبي بكر
__________________
(١) رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ١٠ / ٣٢١.
(٢) في حلية الأولياء : وحكى لي عبد الواحد.
(٣) كذا بالأصل وم وت ود ، وفي الحلية : أبو عمرو.