أحد ، ثم يخرج فلا يقدر أحد على تقبيل يده سوى أناس بأعيانهم إلا أنهم يومئون إلى تقبيل الأرض ، وشرف أكابر الناس بتقبيل ركابه ، وأجلّ الناس من يقبل ركبته ، وقرّب كتامة وأنفق فيهم الأموال ، وأعطاهم الخيول ، وباع ما كان بالاصطبلات من الخيل والبغال والنجب وغيرها ، وكانت شيأ كثيرا ، وقطع أكثر الرسوم التي كانت تطلق لأولياء الدولة من الأتراك ، وقطع أكثر ما كان في المطابخ ، وقطع أرزاق جماعة ، وفرّق كثيرا من جواري القصر ، وكان به من الجواري والخدم عشرة آلاف جارية وخادم ، فباع من اختار البيع ، وأعتق من سأل العتق طلبا للتوفير ، واصطنع أحداث المغاربة ، فكثر عتيهم وامتدّت أيديهم إلى الحرام في الطرقات ، وشلّحوا الناس ثيابهم ، فضج الناس منهم واستغاثوا إليه بشكايتهم ، فلم يبد منه كبير نكير فأفرط الأمر حتى تعرّض جماعة منهم للغلمان الأتراك وأرادوا أخذ ثيابهم ، فثار بسبب ذلك شرّ قتل فيه غلام من الترك ، وحدث من المغاربة ، فتجمع شيوخ الفريقين واقتتلوا يومين آخرهما يوم الأربعاء تاسع شعبان سنة سبع وثمانين وثلاثمائة ، فلما كان يوم الخميس ركب ابن عمار لابسا آلة الحرب وحوله المغاربة ، فاجتمع الأتراك واشتدّت الحرب وقتل جماعة وجرح كثير فعاد إلى داره ، وقام برجوان بنصرة الأتراك ، فامتدّت الأيدي إلى دار ابن عمار واصطبلاته ودار رشا غلامه ، فنهبوا منها ما لا يحصى كثرة ، فصار إلى داره بمصر في ليلة الجمعة ، لثلاث بقين من شعبان واعتزل عن الأمر ، فكانت مدّة نظره أحد عشر شهرا إلّا خمسة أيام ، فأقام بداره في مصر سبعة وعشرين يوما ، ثم خرج إليه الأمر بعوده إلى القاهرة فعاد إلى قصره هذا ليلة الجمعة ، الخامس والعشرين من رمضان ، فأقام به لا يركب ولا يدخل إليه أحد إلّا أتباعه وخدمه ، وأطلقت له رسومه وجراياته التي كانت في أيام العزيز بالله ، ومبلغها عن اللحم والتوابل والفواكه خمسمائة دينار في كل شهر ، وفي اليوم سلة فاكهة بدينار ، وعشرة أرطال شمع ، ونصف حمل ثلج ، فلم يزل بداره إلى يوم السبت الخامس من شوّال سنة تسعين وثلثمائة ، فأذن له الحاكم في الركوب إلى القصر ، وأن ينزل موضع نزول الناس ، فواصل الركوب إلى يوم الاثنين رابع عشرة ، فحضر عشية إلى القصر وجلس مع من حضر ، فخرج إليه الأمر بالانصراف ، فلما انصرف ابتدره جماعة من الأتراك وقفوا له فقتلوه واحتزوا رأسه ودفنوه مكانه ، وحمل الرأس إلى الحاكم ، ثم نقل إلى تربته بالقرافة فدفن فيها ، وكانت مدّة حياته بعد عزله إلى أن قتل ثلاث سنين وشهرا واحدا وثمانية وعشرين يوما ، وهو من جملة وزراء الدولة المصرية ، وولى بعده برجوان ، وقد مرّ ذكره.
ذكر الدروب والأزقة
قد اشتملت القاهرة وظواهرها من الدروب والأزقة على شيء كثير ، والغرض ذكر ما يتيسر لي من ذلك :
درب الأتراك : هذا الدرب أصله من خط حارة الديلم ، وهو من الدروب القديمة وقد