هذه الأخصاص عدّة وافرة ، وزرع حول كل خص من المقائي وغيرها ما يستحسن ، وأقام أهل الخلاعة والمجون هناك ، وتهتكوا بأنواع المحرّمات ، وتردّد إلى هذه الجزيرة أكثر الناس حتى كادت القاهرة أن لا يثبت بها أحد ، وبلغ أجرة كل قصبة بالقياس في هذه الجزيرة ، وفي الجزيرة التي عرفت بالطمية فيما بين مصر والجيزة ، مبلغ عشرين درهما نقرة ، فوقف الفدّان هناك بمبلغ ثمانية آلاف درهم نقرة ، ونصبت في هذه الأفدنة الأخصاص المذكورة ، وكان الانتفاع بها فيما ذكر نحو ستة أشهر من السنة ، فعلى ذلك يكون الفدّان فيها بمبلغ ستة عشر ألف درهم نقرة ، وأتلف الناس هناك من الأموال ما يجل وصفه ، فلما كثر تجاهرهم بالقبيح ، قام الأمير أرغون العلائيّ مع الملك الكامل شعبان بن محمد بن قلاون في هدم هذه الأخصاص التي بهذه الجزيرة قياما زائدا ، حتى أذن له في ذلك ، فأمر والي مصر والقاهرة فنزلا على حين غفلة ، وكبسا الناس وأراقا الخمور وحرّقا الأخصاص ، فتلف للناس في النهب والحريق ، وغير ذلك شيء كثير إلى الغاية والنهاية. وفي هذه الجزيرة يقول الأديب إبراهيم المعمار :
جزيرة البحر جنّت |
|
بها عقول سليمة |
لما حوت حسن مغنى |
|
ببسطة مستقيمة |
وكم يخوضون فيها |
|
وكم مشوا بنميمة |
ولم تزل ذا احتمال |
|
ما تلك إلّا حليمة |
ذكر السجون
قال ابن سيده : السجن ، الحبس ، والسجان صاحب السجن ، ورجل سجين مسجون.
قال : وحبسه يحبسه حبسا فهو محبوس وحبيس ، واحتبسه وحبسه أمسكه عن وجهه. وقال سيبويه : حبسه ، ضبطه ، واحتبسه ، اتخذه حبسا ، والمحبس والمحبسة والمحتبس ، اسم الموضع. وقال بعضهم : المحبس يكون مصدرا كالحبس ، ونظيره إلى الله مرجعكم ، أي رجوعكم. ويسألونك عن المحيض أي الحيض. وروى الإمام أحمد وأبو داود من حديث بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جدّه رضياللهعنهم قال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم حبس في تهمة يوما وليلة» فالحبس الشرعيّ ليس هو السجن في مكان ضيق ، وإنما هو تعويض الشخص ومنعه من التصرّف بنفسه ، سواء كان في بيت أو مسجد ، أو كان يتولى نفس الخصم أو وكيله عليه ، وملازمته له ، ولهذا سماه النبيّ صلىاللهعليهوسلم أسيرا ، كما روى أبو داود وابن ماجه عن الهرماس بن حبيب عن أبيه رضياللهعنهما. قال : «أتيت النبيّ صلىاللهعليهوسلم بغريم لي فقال لي : الزمه ، ثم قال لي يا أخا بني تميم ما تريد أن تفعل بأسيرك» وفي رواية ابن ماجه ثمّ مرّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بي آخر النهار فقال : «ما فعل أسيرك يا أخا بني تميم» وهذا كان هو الحبس على عهد النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وأبي بكر الصدّيق رضياللهعنه ، ولم يكن له محبس معدّ لحبس