القصص ، وكان الأمر على ذلك في أيام الظاهر بيبرس وأيام ابنه الملك السعيد بركة ، ثم أيام الملك المنصور قلاون.
الإيوان : المعروف بدار العدل ، هذا الإيوان أنشأه السلطان الملك المنصور قلاون الألفيّ الصالحيّ النجميّ ، ثم جدّده ابنه السلطان الملك الأشرف خليل ، واستمرّ جلوس نائب دار العدل به ، فلما عمل الملك الناصر محمد بن قلاون الروك أمر بهدم هذا الإيوان ، فهدم وأعاد بناءه على ما هو عليه الآن ، وزاد فيه ، وأنشأ به قبة جليلة ، وأقام به عمدا عظيمة نقلها إليه من بلاد الصعيد ورخمه ، ونصب في صدره سرير الملك ، وعمله من العاج والأبنوس ، ورفع سمك هذا الإيوان وعمل أمامه رحبة فسيحة مستطيلة ، وجعل بالإيوان باب سرّ من داخل القصر ، وعمل باب الإيوان مسبوكا من حديد بصناعة بديعة تمنع الداخل إليه ، وله منه باب يغلق ، فإذا أراد أن يجلس فتح حتى ينظر منه ومن تخاريم الحديد بقية العسكر الواقفين بساحة الإيوان ، وقرّر للجلوس فيه بنفسه يوم الاثنين ويوم الخميس ، فاستمرّ الأمر على ذلك ، وكان أوّلا دون ما هو اليوم ، فوسع في قبته وزاد في ارتفاعه وجعل قدّامه دركاة كبيرة ، فجاء من أعظم المباني الملوكية ، وأوّل ما جلس فيه عند انتهاء عمل الروك بعد ما رسم لنقيب الجيش أن يستدعي سائر الأجناد ، فلما تكامل حضورهم جلس وعين أن يحضر في كلّ يوم مقدّما ألوف بمضافيهما ، فكان المقدّم يقف بمضافيه ويستدعي بمضافيه من تقدمته على قدر منازلهم ، فيتقدّم الجنديّ إلى السلطان فيسأله أنت ابن من ومملوك من ، ثم يعطيه مثالا ، واستمرّ على ذلك من مستهل المحرّم سنة خمس عشرة وسبعمائة إلى مستهل صفر منها ، وما برح بعد ذلك يواظب على الجلوس به في يومي الاثنين والخميس ، وعنده أمراء الدولة والقضاة والوزير وكاتب السرّ وناظر الجيش وناظر الخاص وكتاب الدست ، وتقف الأجناد بين يديه على قدر أقدارهم ، فلما مات الملك الناصر اقتدى به في ذلك أولاده من بعده ، واستمرّوا على الجلوس بالإيوان إلى أن استبدّ بمملكة مصر الملك الظاهر برقوق ، فالتزم ذلك أيضا ، إلّا أنه صار يجلس فيه إذا طلعت الشمس جلوسا يسيرا يقرأ عليه فيه بعض قصص لا لمعنى سوى إقامة رسوم المملكة فقط ، وكان من قبله من ملوك بني قلاون إنما يجلسون بالإيوان سحرا على الشمع ، وكان موضع جلوس السلطان في الإيوان للنظر في المظالم ، فأعرض الملك الظاهر عن ذلك وجعل لنفسه يومين يجلس فيهما بالإصطبل السلطانيّ للحكم بين الناس ، كما سيأتي ذكره عن قريب إن شاء الله تعالى ، وصار الإيوان في أيام الظاهر برقوق وأيام ابنه الملك الناصر فرج ، وأيام الملك المؤيد شيخ ، إنما هو شيء من بقايا الرسوم الملوكية لا غير.
ذكر النظر في المظالم
اعلم أنّ النظر في المظالم عبارة عن قود المتظالمين إلى التناصف بالرهبة ، وزجر