فإنه لا يشاور على مفسد ولا غيره ويده مطلقة في سائر الناس ، فدهى الناس منه بعظائم ، وشرع في كبس بيوت السعداء ، ومشت جماعة من المستصنعين في البلد وكتبوا الأوراق ورموها في بيوت الناس بالتهديد ، فكثرت أسباب الضرر وكثر بلاء الناس به ، وتعنت على الباعة ، ونادى أن لا يفتح أحد حانوته بعد عشاء الآخرة ، فامتنع الناس من الخروج بالليل حتى كانت المدينة في الليل موحشة ، واستجدّ على كل حارة دربا ، وألزم الناس بعمل ذلك ، فجبيت بهذا السبب دراهم كثيرة ، وصار الخفراء في الليل يدورون معهم الطبول في كل خط ، فظفر بإنسان قد سرق شيئا من بيت في الليل وتزيا بزي النساء ، فسمّره على باب زويلة ، وما زال على ذلك حتى كثرت الشناعة ، فعزله السلطان في سنة تسع وعشرين بناصر الدين بن الحسنيّ ، فأقام إلى أيام الحج وسافر إلى الحجاز ورجع وهو ضعيف ، فمات في سادس عشر صفر سنة ثلاثين وسبعمائة.
قنطرة الكتبة : هذه القنطرة على الخليج الناصريّ بخط بركة قرموط ، عرفت بذلك لكثرة من كان يسكن هناك من الكتاب ، أنشأها القاضي شمس الدين عبد الله بن أبي سعيد بن أبي السرور الشهير بغبريال بن سعيد ناظر الدولة ، وولي تظر الدواوين بدمشق في سنة ثلاث عشرة وسبعمائة ، إليها من نظر البيوت بديار مصر ، ثم استدعي من دمشق وقرر في وظيفة ناظر النظار شريكا للقاضي شهاب الدين الأفقهسيّ ، واستقرّ كريم الدين الصغير مكانه ناظرا بدمشق ، وذلك في شهر رمضان سنة أربع وعشرين وسبعمائة ، ثم صرف غبريال من النظر بديار مصر وسفر إلى دمشق في ثامن عشر صفر سنة ست وعشرين ، وطلب كريم الدين الصغير من دمشق ، ثم قرّر في مكان غبريال في وظيفة النظر بديار مصر الخطير ، كاتب أرغون أخو الموفق وأعيد غبريال إلى نظر دمشق ومات بدمشق بعد ما صودر وأخذ منه نحو ألفي درهم ، في سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة ، وادركنا الأملاك منتظمة بجانبي هذا الخليج من أوّله بموردة البلاط إلى هذه القنطرة ، ومن هذه القنطرة إلى حيث يصب في الخليج الكبير ، فلما كانت الحوادث بعد سنة ست وثمانمائة ، شرع الناس في هدم ما على هذا الخليج من المناظر البهجة والمساكن الجليلة ، وبيع أنقاضها ، حتى ذهب ما كان على هذا الخليج من المنازل ما بين قنطرة الفخر التي تقدّم ذكرها ، وآخر خط بركة قرموط ، وأصبحت موحشة قفراء ، بعد ما كانت مواطن أفراح ومغنى صبابات ، لا يأويها إلّا الغربان والبوم ، سنة الله في الذين خلوا من قبل.
قنطرة المقسيّ : هذه القنطرة على خليج فم الخور ، وهو الذي يخرج من بحر النيل ويلتقي مع الخليج الناصريّ عند الدكة ، فيصيران خليجا واحدا يصب في الخليج الكبير ، كان موضعها جسرا يستند عليه الماء إذا بدت الزيادة إلى أن تكمل أربعة عشر ذراعا ، فيفتح ويمرّ الماء فيه إلى الخليج الناصريّ وبركة الرطليّ ، ويتأخر فتح الخليج الكبير حتى يرقي الماء ستة عشر ذراعا ، فلما انطرد ماء النيل عن البرّ الشرقيّ ، بقي تاجه هذا الخليج في أيام