فبسط ، وحفّ بكراسي ، وجلس عليه معه رجال من بني إسرائيل ، ثم أمر بالسحاب فأظلّته ، وأمر بالريح فحملته ، وسار متنزّها ، فلما سار غير بعيد هبط جبريل ، عليهالسلام ، قال : يا بني إلى أين سفرك؟ فقال : أردت أن أروّح عن قلبي ، وأفتح عيني ، وأنظر إلى نبات بلاد ربي عزوجل ، فقال له جبريل : إنّ لله عزوجل ملائكة وكلهم بالمسافرين ، فإذا خرج الرجل من بلده مسافرا تلقّاه ملك ، فيقول له : أين تقصد في وجهك هذا؟ فإن قال : أغزو في سبيل الله أطلب ثواب الله ، قال الملك : اللهمّ اصحبه بالسلامة في سفره ، والغنيمة في معيشته ، واخلفه بخير ، وإن قال : ألتمس التمحيص لذنوبي بالشهادة ، قال الملك : اللهمّ ارزقه الشهادة ، شهادة سعيدة ، تمحّص عنه ذنوبه ، وتحطّ بها أوزاره ، وإن قال : خرجت طالبا للعلم والفقه في ديني ، قال : اللهمّ آته من الحكمة ما يفقهه في دينه ، وعلّمه من تأويل كتابك ، وأتبعه سنّة نبيّك ، وإن قال : أزور أخا لي ، قال الملك : أبينك وبينه رحم تصلها ، أو له عندك معروف ، أو يد تكافئه بذلك عليها؟ فإن قال : لا ، إلّا أني أحبّه في الله ، قال الملك : اللهمّ اكتب له بخطاه حسنات ، وامح بعددها سيئات ، وإن قال : أقصد فلانا الملك ، ألتمس من نائله ، قال له الملك : أي ملك أعظم من الله سبحانه وتعالى ، وأوسع منه رزقا ، وأسرع منه عطاء ، وإن قال : خرجت أتعرّض من فضل الله ، وأعود به على عيالي ، قال الملك : اللهمّ احفظ عليه ماله ، وأوسع عليه ربحه ، وأسرع أوبته ، وإن قال : خرجت متنزها ومتعبّدا قال الملك : أما علمت أن الله جلّ ثناؤه سيسألك يوم القيامة عن ماله الذي أعطاك فيما أنفقته؟ وعن عمرك فيما أفنيته؟ وعن قوتك فيما استعملتها ، وعن بدنك فيما أفنيته.
قال : فاستحيا سليمان من جبريل عليهماالسلام ، ورجع من ساعته ، فما عاد في سفر (١) إلّا في سبيل الله.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن محمّد بن كرتيلا ، أنا محمّد بن علي الخيّاط ، أنا أحمد بن عبد الله السّوسنجردي ، أنا أبو جعفر أحمد بن أبي طالب الكاتب ، أنا أبي ، أنا محمّد بن مروان بن محمّد السعيدي ، حدّثني محمّد بن أحمد ، أبو بكر الخزاعي ، حدّثني جدي ـ يعني : سليمان بن أبي شيخ ـ نا محمّد بن الحكم ، عن عوانة ، حدّثني خديج خصي لمعاوية ـ يعني : أن معاوية ، قال له :
ادع لي عبد الله بن مسعدة الفزاري ، فدعوته ، وكان آدم ، شديد الأدمة ، فقال : دونك
__________________
(١) المختصر : «ليسفر».