قال ابن جابر : وانصرف إلى معسكره وبات ، وأمر البطال مناديا ، فنادى أيها الناس عليكم بسنادة (١) فادخلوها وتحصنوا فيها ، وأمّر البطّال رجلا على مقدمتهم ، وآخر على ساقتهم ، لا يخلّف جريحا ولا ضعيفا فيما قدر عليه ، وثبت في مكانه ، وثبت معه قريب له في ناس من مواليه ، وأمر من يسير في أوائلهم ، من يقول : أيّها الناس الحقوا ، فإن البطّال يسير باخراكم ، وأمر من يقول في أخراهم : أيّها الناس الحقوا فإن البطّال في أولاكم يهديكم الطريق ، ويهيئ منزلكم بسنادة ، فمضوا (٢) الناس ، فلم يصبحوا إلّا وقد دخلوا سنادة وافتقدوا البطّال ، فأجمع رأيهم على تحصينها والقتال عليها (٣).
قال (٤) : وأصبح البطّال في مكانه في المعركة به رمق ، فلما كان من الغد ركب ليون بجيشه حتى أتى المعركة ، فوجدهم قد دخلوا سنادة إلّا البطّال ومن بقي معه ، فأخبر به فأتاه حتى وقف عليه فقال : أبا يحيى كيف رأيت؟ قال : ما رأيت كذلك الأبطال تقتل وتقتل. قال ليون : عليّ بالأطباء ، فأتي بهم ، فأمرهم بالنظر في جراحه ، فأخبروه أنها قد أنفذت مقاتله (٥) ، فقال : هل من حاجة؟ قال : نعم ، تأمر من ثبت معي ، ومن في أيديكم من أسارى المسلمين بولايتي وكفني والصلاة عليّ ، ودفني ، وتخلي سبيل من ثبت عندي ، ففعل ذلك ، وقصد إلى الناس بسنادة فحاصرهم ، فبينما هم على ذلك إذ أشرف من سند أو شيء مشرف على فرسه في رجال على خيول الطلائع وهو يقول : أيها الناس أنا ثابت البهراني رسول الأمير سليمان بن هشام يخبر سرعة سيره إليكم ، وهو آتيكم أحد اليومين ، فسر ذلك المسلمين ، وأصبح ليون سائرا بعسكره قافلا إلى القسطنطينة حتى دخلها وأقبل سليمان بمن معه حتى نزل بسنادة وأصلح إلى من كان بها حتى رحل عنها وقال الشاعر :
ألم يبلغك من أنباء جيش |
|
بأقرن (٦) غودروا جثثا رماما |
__________________
(١) كذا رسمها بالأصل وتاريخ الإسلام والمختصر والمطبوعة. ولم أعثر على هذا الموضع وفي معجم البلدان : سنباده؟!.
(٢) كذا بالأصل.
(٣) الخبر من طريق الوليد في تاريخ الإسلام (حوادث سنة ١٠١ ـ ١٢٠) ص ٤٠٩.
(٤) انظر تاريخ الإسلام ص ٤٠٩ ـ ٤١٠ والبداية والنهاية ٩ / ٣٦٥ وسير أعلام النبلاء ٥ / ٢٦٩.
(٥) في البداية والنهاية : فإذا جراحه قد وصلت إلى مقاتله.
(٦) أقرن : موضع في شعر امرئ القيس (معجم البلدان) وفي معجم ما استعجم : موضع في ديار بني عبس ، وفي القاموس المحيط : قرن : أقرن بضم الراء موضع بالروم.