أوداجه على أثباجه ، فقال له ابن هاشم : ألا كان هذا يا ابن العاص ، حيث (١) أدعوك إلى النّزال ، وقد ابتلت أقدام الرجال ، وتضايقت بك المسالك ، وأشرفت على المهالك ، وأيم الله ، لو لا مكانك منه للبست (٢) لك حاقة أرميك من خلالها ، فإنك لا تزال تكثر في دهشك ، وتخطر (٣) في مرسك.
فأعجب معاوية ما سمع من كلامه ، فأمر به إلى الحبس ، وأنشأ يقول عمرو بن العاص أبياتا وبعث بها إلى معاوية :
أمرتك أمرا حازما تعصيني |
|
وكان من التوفيق قتل ابن هاشم |
وكان أبوه يا معاوية الذي |
|
رماك على جد بحز الغلاصم |
فقتلنا حتى جرت من دمائنا |
|
بصفّين أمثال البحور الخضارم |
وهذا ابنه والمرء يشبهه ابنه |
|
ويوشك أن تقرع به سنّ نادم |
فبلغ ذلك ابن هاشم وهو في الحبس ، فقال أبياتا وبعث بها إلى معاوية فقال :
معاوي إنّ المرء عمرا أنت له |
|
ضغينة صدر غشّها غير سالم |
ترى لك قتلي يا ابن هند وإنّما |
|
ترى ما يرى عمرو ملوك الأعاجم |
على أنهم لا يقتلون أسيرهم |
|
إذا كان فيه منعة للمسالم |
وقد كان منا يوم صفّين نفرة |
|
عليك جناها هاشم وابن هاشم |
هي الوقعة العظمى التي تعرفونها |
|
وما مضى إلّا كأحلام نائم |
مضى من قضاء الله فيها الذي مضى |
|
وما ما مضى إلّا كأضغاث حالم |
فإن تعف عنّي تعف عن ذي قرابة |
|
وإن تر قتلي تستحل محارمي |
قال : فعفا عنه معاوية ، وكساه ، وخلّى سبيله.
قرأت على أبي الحسين محمّد بن كامل بن ديسم ، عن أبي القاسم عبد الرّحمن بن علي بن أبي العيس ، أنا أبو الحسين أحمد بن محمّد بن القاسم بن مرزوق ، أنا أبو محمّد الحسن بن رشيق العسكري ، نا يموت بن المزرّع بن يموت البصري ، نا محمّد بن يحيى
__________________
(١) بالأصل : «كيف» وفي وقعة صفين : «حين» والمثبت عن المطبوعة.
(٢) غير مقروءة بالأصل ، والمثبت عن الفتوح لابن الأعثم بتحقيقنا ٣ / ١٢٤ وفي وقعة صفين : النشبت لك مني خافية.
(٣) وقعة صفين : «وتنشب».