قال : عرفت يا أمير المؤمنين الضّب المضبّ (١) فأشخب أوداجه على أثباجه (٢) ، فإنه إن أفلت من حبالك بعد أن زمّت ، ومن قرانك بعد أن حزمت ليحملن عليك جيشا تحيا فيه أصائله ويكثر فيها صهله ودواغله ، فإن العصا من العصية ، ولا تلد الحيّة إلّا حية ، وإنما مثله يا أمير المؤمنين كما قال الشاعر :
أماما قد حللت بلاد قوم |
|
هم الأعداء فالأكباد سود |
هم (٣) إن ناجذوني يقتلوني |
|
ومن أثقف (٤) فليس له خلود |
قال : فقال عبد الله بن هاشم : فأين كنت عن ذلك يا ابن الأبتر يوم تلوذ بعاتق الدّماث (٥) ويطير مع الغداف (٦) يوم كسرتك بصفين ، وأنت كالأمة السوداء لا تمنع يد لامس.
قال معاوية : تلك أضغاث صفين ، وما ورثك أبوك.
قال : فما فيك يا معاوية ما تنتصر حتى تسلّط علينا عبد سهم؟ والله ، لئن شفيت لأربدن وجهه ، ولأخرسن لسانه ، وليقومن وبين كتفيه عنابة يلين بها أخدعاه فأمر به معاوية إلى الحبس ، وخرج عمرو مغضبا وأنشأ يقول (٧) :
أمرتك أمرا حازما فعصيتني |
|
وكان من التوفيق قتل ابن هاشم |
أليس أبوه يا ابن هند الذي به (٨) |
|
رمانا (٩) عليّ يوم حزّ الغلاصم |
فقتلنا (١٠) حتى جرت من دمائنا |
|
بصفّين أمثال البحار الخضارم |
فهذا ابنه والمرء يشبه عيصه (١١) |
|
ولا شك أن تقرع (١٢) به سن نادم |
__________________
(١) أضب فلان على غلّ في قلبه : أضمره.
(٢) الأثباج جمع ثبج ، وثبج كل شيء : معظمه ووسطه وأعلاه ، والثبج : الوسط ، وما بين الكاهل إلى الصدر.
(٣) البيت في تاج العروس بتحقيقنا «ثقف» ١٢ / ١٠٣ ونسبه لعمرو بن ذي كلب برواية :
فإما تثقفوني فاقتلوني |
|
فإن أثقف فسوف ترون بالي |
(٤) ثقف الرجل : ظفر به.
(٥) الدماث جمع دمث : السهول من الأرض.
(٦) الغداف : الغراب.
(٧) الأبيات في وقعة صفين ص ٣٤٩ والفتوح لابن الأعثم بتحقيقنا ٣ / ١٢٥.
(٨) الفتوح : «هو الذي» وفي وقعة صفين : يا معاوية الذي.
(٩) الفتوح : «رماك» وفي وقعة صفين : رماك على جد يحز الغلاصم.
(١٠) وقعة صفين : فما برحوا حتى.
(١١) وقعة صفين : «أصله» وفي الفتوح : شيخه.
(١٢) وقعة صفين : مستقرع إن أبقيته سن نادم.