والله ما آخذ منكم شيئا عاجلا وقد ادعيت (١) أمرا فامتحنوني فيه ، فإن جاءك (٢) ما ادّعيت كان الأمر فيّ إليكم ، وإن وقع بخلاف ذلك انصرفت إلى منزلي.
فأخبرت المأمون بما قال : فتمثل ببيت الفرزدق :
وقبلك ما أعييت كاسر عينه |
|
زيادا فلم تقدر عليّ حبائله (٣) |
ثم قال : لعلّ هذا يريد أن يصل إلينا فاحتال بهذه الحيلة ، وليس الرأي أن يظهر أحد علينا علما فنظهر الزهد فيه ، فأحضره.
قال : فجئت بالرجل وقعد له المأمون ، وأحضرت له أداة العمل ، فإذا هو يحل الطّلق أجهل مني بما في السماء السابعة ، فنظر إليّ المأمون وقال : تزعم أنه حلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك؟ قال : بلى ، قال : فقد حنث ، فقال الرجل والمأمون يسمع : ألم تحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما تملك؟ قال : بلى ، قلت : فقد حنثت قال : ليست لي امرأة ، قلت : فالعتاق ، قال : وما لي مملوك ، قلت : فصدقة ما تملك ، قال : ما أملك خيطا ولا مخيطا ، قلت له : كذب يا أمير المؤمنين ، له غلام ، ودابّة ، قال : هما وحق رأس أمير المؤمنين ، عارية ، قال : فتبسّم المأمون [و] قال : هذا بحل الدراهم أعلم منه بحلّ الطّلق (٤) ، ثم أمر أن يعطى خمسة آلاف درهم ، فلما خرج قال للعتبي ردّه فردّه ، فقال : زيدوه ، فإنه لا يجد في كل وقت من يمخرق عليه ، فقال الرجل : يا أمير المؤمنين عندي باب من الحملان ليس في الدنيا مثله ، قال : احمله على هذه الدراهم ، فإن كنت صادقا صرت ملكا في أقلّ من شهر.
قرأت على أبي الحسن سعد الخير بن محمّد بن سهل ، عن أبي عبد الله محمّد بن أبي نصر الحميدي ، أنا أبو العبّاس أحمد بن عمر بن أنس العذري ، نا أبو البركات محمّد بن عبد الواحد الزّبيري ، نا أبو سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي ، نا أبو إسحاق إبراهيم بن السّري الزّجّاج ، نا أبو العبّاس محمّد بن يزيد المبرد قال :
لما وصل المأمون إلى بغداد وقرّبها قال ليحيى بن أكثم : وددت أنّي وجدت رجلا مثل الأصمعي ، ممن عرف أخبار العرب ، وأيامها ، وأشعارها ، فيصحبني كما صحب الأصمعي
__________________
(١) الأصل : دعيت.
(٢) البيت في ديوان الفرزدق ط بيروت ٢ / ١٧٢ وفيه : «فقبلك» وزياد هو زياد بن أبيه. وكان قد طلب الفرزدق في أمر فهرب منه.
(٣) البيت في ديوان الفرزدق ط بيروت ٢ / ١٧٢ وفيه : «فقبلك» وزياد هو زياد بن أبيه. وكان قد طلب الفرزدق في أمر فهرب منه.
(٤) الأصل : الطلاق ، والصواب ما أثبت.