فينبغي فيكفي أن نباهي بالأفعال الجميلة ، والأخلاق الكريمة ، فإيّاك أن تحشو رءوس أوانيك إلّا بالقطن ، فذاك بالملوك أهيأ وأبهى.
أخبرنا أبوا (١) الحسن : علي بن أحمد ، وعلي بن الحسن ، قالا : ثنا (٢) ـ وأبو النجم ، أنا ـ أبو بكر الخطيب (٣) ، حدّثني الحسن بن محمّد الخلّال ، نا أحمد بن محمّد بن عمران ، نا محمّد بن الحسن بن محمّد الموصلي ، نا عبد الله بن محمود المروزي (٤) قال : سمعت يحيى بن أكثم القاضي يقول :
ما رأيت أكمل آلة من المأمون ، وجعل يحدّث بأشياء استحسنها من كان في مجلسه ثم قال : كنت عنده ـ يعني ليلة ـ أذاكره وأحدّثه ، ثم نام وانتبه فقال : يا يحيى أنظر أيش عند رجلي ، فنظرت فلم أر شيئا ، فقال : شمعة ، فبادر (٥) الفراشون فقالوا : انظروا ، فنظروا فإذا تحت فراشه حية بطوله فقتلوها ، فقلت : قد انضاف إلى كمال أمير المؤمنين علم الغيب ، فقال : معاذ الله ، ولكن هتف بي هاتف السّاعة وأنا نائم فقال :
يا راقد الليل انتبه |
|
إنّ الخطوب لها سرى |
ثقة الفتى بزمانه |
|
ثقة محللة العرى |
قال : فانتبهت ، فعلمت أن قد حدث أمر إمّا قريب وإمّا بعيد ، فتأملت ما قرب فكان ما رأيت.
قال (٦) : وأخبرني الأزهري ، نا محمّد بن جامع ، نا أبو عمر الزاهد ، نا محمّد بن يزيد المبرد ، حدّثني عمارة بن عقيل قال :
قال ابن أبي حفصة الشاعر : أعلمت أن المأمون (٧) أمير المؤمنين لا يبصر الشعر ، فقلت : من ذا يكون أفرس منه والله إنا لننشد أول البيت فيسبق إلى آخره من غير أن يكون سمعه ، قال : إني أنشدته بيتا أجدت فيه فلم أره تحرّك له ، وهذا البيت فاسمعه :
أضحى إمام الهدى المأمون مشتغلا |
|
بالدين والناس بالدنيا مشاغيل |
__________________
(١) الأصل : «أبو» والصواب ما أثبت ، والسند معروف.
(٢) الأصل : أنا.
(٣) تاريخ بغداد ١٠ / ١٨٨ وانظر تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٣٧٤ ـ ٣٧٥.
(٤) الأصل : «والمروزي» والمثبت عن تاريخ بغداد.
(٥) تاريخ بغداد : فتبادر.
(٦) القائل : أبو بكر الخطيب ، والخبر في تاريخ بغداد ١٠ / ١٨٩ وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٣٧٥.
(٧) «المأمون» ليست في تاريخ بغداد.