أراد الرشيد سفرا ، فأمر الناس أن يتأهبوا لذلك ، وأعلمهم (١) أنه خارج بعد الأسبوع ، فمضى الأسبوع ، ولم يخرج ، فاجتمعوا إلى المأمون فسألوه أن يستعلم ذلك ، ولم يكن الرشيد يعلم أن المأمون يقول الشعر ، فكتب إليه المأمون :
يا خير من دبّت المطيّ به |
|
ومن تقدّى بسرجه فرس |
هل غاية في المسير نعرفها |
|
أم أمرنا في المسير نلتبس |
ما علم هذا إلّا إلى ملك |
|
من نوره في الظلام نقتبس |
إن سرت سار الرشاد متّبعا |
|
وإن تقف فالرّشاد محتبس |
فقرأها الرشيد فسرّ بها ، ووقّع فيها : يا بني ، ما أنت والشعر؟ [أما علمت أن الشعر](٢) أرفع حالات الدنيّ ، وأقلّ حالات السري ، والمسير إلى ثلاث إن شاء الله.
قال المعافى (٣) : قول المأمون في شعره : ومن تقدى بسرجه فرس : تقدى : استمركم قال ابن قيس الرّقّيات (٤) :
نقدت بي الشهباء نحو ابن جعفر |
|
سواء عليها ليلها ونهارها |
أي استمرت وجرت قاصدة إليه.
أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد ، أنا محمّد بن محمّد بن عبد العزيز ، أنا أبو الحسين بن بشران ، أنا عمر بن الحسن (٥) بن علي ، أنا أبو بكر بن أبي الدنيا قال (٦) :
وقال غير العبّاس : لما أتى هارون طوسا سنة ثلاث وتسعين ومائة ، وجاء ابنه المأمون منها إلى سمرقند ، فأتته وفاة أبيه هارون وهو بمرو ، وصارت الخلافة إلى المأمون بخمس بقين من المحرّم سنة ثمان وتسعين ومائة.
أخبرنا أبو الفتح نصر الله بن محمّد الفقيه ، أنا أبو القاسم علي بن محمّد بن أبي العلاء ، أنا أبو الحسن محمّد بن إبراهيم الفارقي (٧) ـ بها ـ أنا أبو سعد (٨) أحمد بن محمّد [بن
__________________
(١) بالأصل : وأعلمه ، والصواب عن الجليس الصالح الكافي.
(٢) ما بين معكوفتين أضيف عن الجليس الصالح الكافي.
(٣) الجليس الصالح : «قال القاضي» وهو المعافى بن زكريا.
(٤) ديوانه ص ٨٢ وانظر تخريجه فيه.
(٥) الأصل : الحسين.
(٦) تاريخ الإسلام (حوادث سنة ٢١٠ ـ ٢٢٠) ص ٢٢٧.
(٧) هذه النسبة إلى ميّافارقين ، مدينة من بلاد الجزيرة قريبة من آمد.
(٨) المطبوعة : أبو سعد.