كان المأمون أبيض ، يعلو لونه صفرة يسيرة ، وكان ساقاه من سائر جسده صفراوين ، حتى كأنهما طليتا بالزعفران.
قال (١) : وأخبرني الأزهري أنا أحمد بن إبراهيم ، نا إبراهيم بن محمّد بن عرفة (٢) ، قال : قال أبو محمّد اليزيدي :
كنت أؤدب المأمون وهو في حجر سعيد الجوهري ، قال : فأتيته يوما وهو داخل ، فوجهت إليه بعض خدمه يعلمه بمكاني ، فأبطأ عليّ ثم وجهت له آخر فأبطأ فقلت لسعيد : إنّ هذا الفتى ربما تشاغل بالبطالة وتأخر قال : أجل ، ومع هذا إنه إذا فارقك يعرم (٣) على خدمه ، ولقوا منه أذى شديدا فقوّمه بالأدب ، فلما خرج أمرت بحمله فضربته سبع درر ، قال : فإنه ليدلك عينيه (٤) من البكاء إذ قيل هذا جعفر بن يحيى قد أقبل ، فأخذ منديلا فمسح عينيه من البكاء ، وجمع ثيابه ، وقام إلى فرشه فقعد عليها متربعا ، ثم قال : ليدخل ، فدخل ، فقمت عن المجلس ، وخفت أن يشكوني إليه ، فألقى منه ما أكره ، قال : فأقبل عليه بوجهه وحديثه حتى أضحكه وضحك إليه ، فلما همّ بالحركة دعا بدابته وأمر غلمانه فسعوا بين يديه ثم سأل عني فجئت فقال : خذ على ما بقي من جزئي ، فقلت : أيها الأمير ، أطال الله بقاءك ، لقد خفت أن يشكوني إلى جعفر بن يحيى ، فلو فعلت ذلك لتنكّر لي فقال : أتراني يا أبا محمّد كنت أطلع الرشيد على هذه؟ فكيف جعفر بن يحيى حتى أطلعه إني أحتاج إلى أدب؟ إذا يغفر الله لك بعد ظنك ، ووجيب قلبك ، خذ في أمرك ، فقد خطر ببالك ما لا تراه أبدا ولو عدت في كل يوم مائة مرة.
أخبرنا أبو العزّ أحمد بن عبيد الله بن كادش ـ فيما قرأ عليّ إسناده وناولني إيّاه ، وأذن لي في روايته عنه ـ أنا أبو علي محمّد بن الحسين (٥) ، أنا المعافى بن زكريا (٦) ، نا الحسين بن القاسم الكوكبي ، نا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي ، نا عبد الله بن محمّد التيمي قال :
__________________
(١) القائل : أبو بكر الخطيب ، والخبر في تاريخ بغداد ١٠ / ١٨٤.
(٢) الأصل : عروة ، تحريف والصواب عن تاريخ بغداد ، وترجمته في سير أعلام النبلاء ١٥ / ٧٥.
(٣) بدون إعجام بالأصل ، والمثبت عن تاريخ بغداد ، وفي المطبوعة : تعرّم. والعرم : الشدة (عن هامش تاريخ بغداد) وقد عرم علينا وتعرّم اشتد.
(٤) تاريخ بغداد : عينه.
(٥) بالأصل : «الحسن» والصواب ما أثبت ، والسند معروف.
(٦) الخبر في كتاب الجليس الصالح الكافي ٤ / ٨٥ ـ ٨٦.