والشّيخ محمّد بن عبد الله باكريت هذا (١) من أخصّ تلاميذ الشّيخ عبد الله القديم عبّاد ، وله في مناقبه ذكر كثير ، منه : أنّه قدم عليه بستّة آلاف دينار ، وبمثلها من البزّ والطّعام ، فأمره بأن يدفع ذلك للخادم ، فوضع الدّنانير بخزانة تحاذي مجلس الشّيخ ، ولمّا أكثر من الدّخول والخروج للأخذ منها في سبيل الحاجات .. تشوّش فكر الشّيخ ، فقال له : (اقلع هذا المال ـ قلعه الله ـ فقد شوّش عليّ) (٢). أو ما يقرب من هذا المعنى ، وعهدته على الشّيخ عبد الرّحمن بن عبد الله باشميله باعبّاد (٣) ؛ فهو آخر من أخبرني بالقصّة ، مع أنّني كنت أحفظها بدون هذا القدر الكثير.
والّذي يتحدّث به كثير من شيوخ آل باعبّاد : أنّ محمّد بن عبد الله باكريت (٤) هذا
__________________
(١) ههنا نظر .. فأوّلا ذكره باسم : محمّد بن سعيد ، ثمّ يقول : محمّد بن عبد الله ، ولا أدري فلعله سبق قلم منه؟ وأمّا محمّد بن عبد الله باكريت .. فوفاته سنة (٧٣٣ ه) ، وسنترجم له قريبا. وآل باكريت يقال إنّهم عقيليّون ، ذكر ذلك الحبيب أحمد بن حسن العطّاس في «رسالته في الأنساب».
(٢) في هذا الكلام إشارة إلى مبحث عظيم من مباحث الشّريعة الإسلاميّة ، ذكره مفصّلا مطوّلا الإمام محمّد بن الحسن الواسطيّ في كتابه «مجمع الأحباب» ، ـ وهو من إصدارات دار المنهاج بجدة ـ وحاصل ما فيه باختصار :
أنّ الإنسان لا يدّخر طعاما ولا مالا إذا علم أنّ هذا المال أو الطّعام سيشوّش عليه توكّله على الله تعالى فيتّكل على الطّعام والمال الّذي عنده وينسى الله تعالى ؛ فمن أجل ذلك نهى النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن الادّخار. وهناك حالة ثانية وهي أنّ بعض النّاس يصل في حالة مع الله عز وجل لا يرى غيره في الوجود ، فلا يرى فاعلا حقيقيا ولا متصرّفا ولا رازقا غير الله سبحانه وتعالى ففي هذه الحالة يجوز للإنسان أن يدّخر ولا يضرّه في إيمانه شيئا ؛ فمن أجل ذلك ادّخر النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعض المرّات.
(٣) المتوفّى بالغرفة سنة (١٣٨٤ ه) تقريبا ، ترجمته في «الشعراء» (٥ / ٢٣٥).
(٤) الشّيخ محمّد بن عبد الله باكريت ، أحد أعيان السّاحل الحضرميّ في القرن الثّامن الهجريّ ، تربّى بأبيه الشّيخ عبد الله بن أحمد ، المتوفّى سنة (٦٦٧ ه) ، وبالشّيخ الجليل المرشد الصّالح عبد الله القديم باعبّاد (ت ٦٨٧ ه) ، الآخذ عن الفقيه المقدّم محمد بن عليّ باعلويّ.
كان على قدم الصّلاح والعبادة والزّهد ، ذا مال وجاه ، وفي «تاريخ شنبل» في حوادث سنة (٧٧٦ ه) ذكر وفاة أحد أبنائه ، إلّا أنّه لسقم النّسخة لم يتبيّن المحقق اسم ذلك الابن.
وله آثار علمية. للشّيخ محمد باكريت هذا .. راتبه المشهور ، وهو مجموعة أذكار وأدعية.
والملاحظ أنّ كثيرا من أدعية وأذكار هذا الرّاتب تكرّر وتتلى في بعض مساجد تريم ، لا سيّما مسجد آل أبي علويّ خصوصا بعد صلاة العشاء.