وفي حوالي سنة (١٢٦٠ ه) : كانت المنافسات قائمة على قدم وساق بحيدرآباد الدّكن بين الأمير عمر بن عوض القعيطيّ والأمير عبد الله بن عليّ العولقيّ وفي جانبه الأمير غالب بن محسن الكثيريّ ، وكلّهم في خدمة الجيش الآصفيّ.
فاتّفق العولقيّ وغالب بن محسن على تكوين دولة لهم بحضرموت ، وكان العولقيّ كثير المال ، كريم النّفس ، شجاع القلب ، فطفق يرسل إلى حضرموت بكثير من الأموال ؛ لمواصلة العلويّين ، ولبناء المساجد والسّقايا وما أشبه ذلك.
ولمّا بدأ غالب بن محسن بشراء الغرف من أسافل حضرموت .. بدأ العولقيّ بشراء الحزم هذا ، واختار القارة المعروفة هناك لبناء حصنه الحصين عليها ، وهو المعروف بحصن صداع ، الّذي يقول فيه شاعرهم :
سلام الفين يا حصن مبني فوق قاره |
|
بناك العولقي ما يعوّل بالخساره |
ولمّا شعر القعيطيّ بذلك .. أرسل أولاده محمّدا وعبد الله وعليّا وعوضا إلى القطن من أرض حضرموت ، وزوّدهم بالأموال الطّائلة ، وبعث معهم بعبدين داهيين محنّكين ، يقال لأحدهما : ألماس ، وللآخر : عنبر ، ووافق ذلك هوى من يافع ،
__________________
ثمّ عاد إلى وطنه سنة (١٢٩٣ ه) بعد أن حصل على معلومات قيّمة دينيّة وطبيّة واجتماعيّة وعسكريّة. وبعد عودته إلى بلده .. تحرّكت همّته إلى الاتّصال بالسّيّد الكبير عليّ بن محمّد الحبشيّ في سيئون ، الّذي كان يواصل الجهود لإخراج أكبر مجموعة من العلماء في السّاحل والدّاخل ؛ لتقوم بواجبها في عموم القطر.
فحصل الاتّصال بين المترجم له مع الإمام الحبشيّ ، ونهل من علومه ومعارفه ما برّز فيه ، وفي أحد المرّات كان الإمام الحبشيّ يمازح تلميذه المترجم له .. فقال المترجم له : ما أنا إلّا دبّاه ـ يشير إلى شجرة القرع ـ فقال له شيخه : ولكنّها ستلقي قحازيز. (وهي كلمة عامّيّة ، معناها : صغار القرع). ثمّ استمرّ عند شيخه في سيئون خمس سنوات ، كلها جدّ ودرس وتحصيل. ثمّ استأذن شيخه في العودة إلى بلده صداع .. فأذن له شيخه ، فعاد إلى بلده وقد سبقه إليها صيته ومكانته العلميّة ، وما إن مرّت سنوات قليلة حتّى صارت بلدة الصداع مقرّا وموئلا لطلبة العلم ، ومقصدا للعلماء وطلّاب العلاج. ولم يقتصر على هذه النّاحية ؛ فقد باشر أعمال الإصلاح بين النّاس .. حتّى سرت محبّته في القلوب ، وأخذ ينشر الدّعوة والتّعليم في القرى. تخرّج عليه جملة صالحة من العلماء ؛ منهم : الشّيخ العلّامة سالم بن امبارك الكلالي ، والشّيخ العلّامة عبد الله بن عوض بكير ، والشيخ عبد الله الناخبي وغيرهم ، وكانت وفاته سنة (١٣٦٧ ه).