في السّفن الشّراعيّة من يضغط ، وهي البلاد الحرّة الّتي لمّا يطمثها الأجنبيّ (١) ، ولو لا حرّيّتها .. ما انفتحت للحضارمة طريق الهجرة لمّا اقشعرّت بهم البلاد من المجاعة الّتي ابتدأت في سنة (١٣٦٠ ه) ولا تزال ضاربة بجرانها (٢) إلى اليوم بسبب انقطاع المواصلات من جاوة الّتي هي المنيحة الدّارّة (٣) للحضارمة ومصدر السّعادة ، خصوصا لمن نزل عن شبام من أهل حضرموت (٤) ، أمّا ما وراء شبام (٥) .. فإنّهم لم يتأثّروا بالأزمة تأثّر هؤلاء ؛ لاتّصالهم بالحجاز والحبشة والأرتريا وعدن وغيرها ، من البلاد الّتي لم تنسدّ في أيّام الحرب.
ولو لا ما سمح به نوّاب سلطان سيحوت المهرة ـ جزاهم الله خيرا ـ من بذل الجواز لمنكوبي حضرموت إلى السّواحل الإفريقيّة .. لمات منهم بالجوع ضعف ما قد مات ، لكنّهم فعلوا معهم جميلا لا يضيع ، وطوّقوهم بمعروف لا ينساه إلّا أبناء الزّنا ، بينما ضرب عليهم الحصر من كلّ ناحية ، وسدّت في وجوههم الأبواب من كلّ سبيل (٦).
وسلاطين هذه البلاد على حالتهم البدويّة ، وطبيعتهم الفطريّة ، يمشون حفاة ، ولا شرطة ولا حجّاب ، ولا فرق بينهم وبين السّوقة إلّا بما على وجوههم من الشّهامة :
__________________
(١) لم يطمثها : لم يمسّها.
(٢) الجران : مقدّم العنق من مذبح البعير إلى منحره ، فإذا برك البعير ومدّ عنقه على الأرض .. قيل : ألقى جرانه بالأرض ، وهو كناية عن الأمن والاطمئنان. والمقصود هنا : أنّ هذه المجاعة ما زالت مستمرّة كالإنسان الّذي يجلس بين أهله هادىء البال لا يفكّر بالارتحال.
(٣) المنيحة : الشاة المعارة للإنسان كي يستفيد من لبنها. الدّارّة : كثيرة الدّرّ والحليب ، وكذلك كانت بلاد جاوة.
(٤) يعني بهم أهل حدرى في عرف أهل حضرموت ، وهم أهل القرى والبلدان الواقعة شرقيّ شبام.
(٥) وهم (أهل علوى) في عرف الحضارمة ، من يسكن الجهة الغربيّة من شبام ، والعقاد ، فالقطن وما حواليها.
(٦) جزى الله المصنّف خيرا بتدوينه هذه المعلومة التّاريخيّة الهامّة ، فإنّ الأجيال المتأخّرة تجهل أمثال هذا الصّنيع والجميل جهلا تامّا ، ولو لا التّدوين .. لما عرفت الحقائق.