إليه (١) ، وعليه جعلوا المعاد وما يتعلّق به من شأن الروح وحدها التي لا يعتريها الفناء .
وهذا القول لا تساعده ظواهر آيات القرآن الكريم وصحيح سنة المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم الدالّة على إعادة الإنسان ببدنه يوم القيامة ، والقائلون بالروحاني من بعض فلاسفة المسلمين ، اعتبروا الثواب والعقاب هو التذاذ النفس أو تألمها باللذات أو الآلام العقلية أو الروحية بعد مفارقتها البدن ، وحاولوا تأويل ظواهر الأدلّة الشرعية حتىٰ تنطبق على أسسهم العقلية ، فتكلّفوا في تأويل الآيات القرآنية الكثيرة الدالة على النعيم والعذاب الحسّيين اللذين يتعرض لهما الإنسان في الجنة والنار ، حيث اعتبروهما من باب التمثيل الحسّي للنعيم والعذاب الروحاني أو العقلي ، تقريباً لأذهان عامة الناس الذين تستهويهم الاُمور الحسيّة دون المعاني العقلية ، ليكون ذلك باعثاً لهم على الانقياد والطاعة .
وقد اشتهر عن الشيخ الرئيس ابن سينا أنه ينكر المعاد الجسماني ويقول بالمعاد الروحاني (٢) حتى أن الغزالي كفّر ابن سينا وبعض الفلاسفة في ( تهافت الفلاسفة ) لانكارهم المعاد الجسماني (٣) .
والحق أنه لم يتعرّض ابن سينا في كتبه المعروفة لإنكار البعث الجسماني صراحة ، بل نجده في ( الشفاء ) وهو أكبر كتبه ، يعترف بالبعث الجسماني
__________________________
١) الأسفار / صدر المتألهين ٩ : ١٦٥ ، شرح المواقف / الجرجاني ٨ : ٢٩٨ ـ ٣٠٠ .
٢) راجع : الأضحوية في المعاد / ابن سينا : ١٢٦ ـ المؤسسة الجامعية ـ بيروت .
٣) تهافت الفلاسفة / الغزالي : ٢٣٥ ـ ٢٥٣ ـ بيروت ـ ١٩٣٧ .