رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) [ يس : ٣٦ / ٧٨ ـ ٧٩ ] .
بل أوقف الله تعالى البشرية في حقب كثيرة علىٰ مصاديق حيّة لهذا الاحياء والاعادة بعد الفناء والتفسّخ ، وهو كثير في قصص أنبياء بني إسرائيل هؤلاء القوم الذين كانوا أكثر الأمم لجاجةً وأبعدهم عن المنطق السليم .
أما في ما وراء هذه الاشكالية البدائية ، فقد ظهرت أسئلة الفلاسفة ، في أصل المعاد نفسه ، بل في كيفيته وصورته ، بعد الايمان به وإقامة البراهين الفلسفية عليه .
فكانت أسئلتهم تدور حول طبيعة الروح وعلاقتها بالجسد ، وما إذا كانت الروح تفنىٰ هي الأخرىٰ بعد الموت ثم تعود ، وما إذا كانت أدلة المعاد الفلسفية والشرعية دالة على عودة الأجساد أم يمكن حصر دلالتها بعودة الأرواح ، ليكون الثواب والعقاب متعلق بالأرواح لا بالأجساد ، في أسئلة تفصيلية تعود إلى هذه المحاور ، والتي تنتهي الاجابات فيها عند سائر فلاسفة الإسلام إلى أنّ الموت متعلق بالجسد ، لا بالروح ، وإن للأرواح محالّها حتى يوم البعث ، حيث تعود الأجساد ثانية ، بما اصطلح عليه بالمعاد الجسماني ، لتتلبس بها أرواحها ، في حياتها الأخيرة ، الأبدية .
ولتلك الحياة الأبدية فصول طويلة ، وضعت آيات القرآن الكريم والسنّة المطهّرة حدودها ومعالمها الأساسية ، ابتداءً بالبرزخ ، فقيام الساعة ، فالبعث ، والنشور ، والحشر ، والحساب ، والميزان ، والصراط ، وانتهاءً بالجنة والنار .
تلك الفصول الطويلة التي صار يُعبَّر عنها بمشاهد القيامة .
فإلىٰ مفهوم المعاد ، وأدلته ، ثم حقيقته ، وفصوله المتصلة ، ينقلنا هذا الكتاب في رحلة روحية نحن أحوج ما نكون إليها .
مركز الرسالة