مقدمتين :
الاُولى : إن الله حكيم . الثانية : الحكيم لا يفعل العبث ، إذن فالله تعالى لا يفعل العبث ، ولو لم يكن للإنسان معاد لكان خلقه عبثاً ، ومقتضى الحكمة الالهية أن الله تعالى لا يفعل العبث ، إذن فلا بدّ للإنسان من معادٍ يوم القيامة تتجلّىٰ فيه الحكمة الالهية .
فلو كان الإنسان ينعدم بالموت ، دون أن تكون هناك نشأة اُخرى يعيش فيها بما له من سعادة أو شقاء ، لكان خلقه في هذا العالم عبثاً وباطلاً ، لأنّ الفعل لا يخرج عن العبثية إلّا إذا ترتّب عليه فائدة أو غاية عقلائية ، وترتب الفائدة أو الغاية موقوف على وجود المعاد ، لأنّه إذا انعدم الإنسان بالموت ، فذلك يعني أنه ليس ثمّة غاية من خلقه غير هذه الحياة المحدودة التي تعجّ بالمتضادات ، والمحفوفة بأنواع المصائب والبلايا والفتن والفجائع ، ويعني أيضاً أن الله تعالى قد اقتصر في خلقه على الإيجاد ثم الاعدام ، ثم الإيجاد ثم الاعدام ، وهكذا دون أي هدفٍ غائي في أفعاله سبحانه ، وذلك ما لا نقبله على الإنسان العاقل ، فكيف نقبله على فعل الخالق ، جلّت حكمته ، الذي لا يعتريه الباطل ولا يتجافى عن الحكمة ؟ ! تعالى الله عن ذلك عُلواً كبيراً .
وعليه فلا بد من وجود عالم آخر يتّضح فيه هدف الخلقة ، وذلك هو عالم البقاء الأبدي المعبّر عنه بالحيوان ، قال تعالى : ( وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) (١) .
ومن هنا أكدت الآيات القرآنية على أن وجود عالم الآخرة يقتضيه
__________________________
١) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٦٤ .