لمن يعتقد بخلود النفس ، وهذا الاعتقاد يخلق في أعماق النفس الإنسانية حافزاً يدعو إلى عمل الفضائل والخيرات ، رجاءً في ثواب الآخرة ، ووازعاً يحدّ من الأهواء والشهوات ، ويردع عن ارتكاب المعاصي والسيئات ، خوفاً ورهبةً من عقاب الآخرة .
ذلك لأنّ الضمير الانساني وحده قد يؤنّب صاحبه على سيئةٍ فعلها ، لكنّه لا يعذّبه ، وقد يعاتبه على منكرٍ اقترفه ، لكنّه لا يعاقبه ، وقد يكون ناصحاً وواعظاً ، لكنّه قد لا يكون موجّهاً ، لأنه لا يملك نفعاً ولا ضراً إزاء أهواء النفس وجموحها في عالم الضلال والغواية ، وكثيراً ما تغالبه فيكفّ ويعتزل ، وعندها يفعل الانسان ما يشاء تحت جنح الظلام بعيداً عن أعين الناس .
فإذا كانت القوانين الرسمية والأعراف الاجتماعية وازعاً يردع الانسان من الخارج ، والضمير الانساني وازعاً يردعه من الداخل ، فيضبطان سلوكه وتصرفه إلى قدرٍ معين ، فإنّ الإيمان بالله والاعتقاد باليوم الآخر يجمع بين الاثنين ويفوقهما ، لأنّه يغرس في النفوس اُسس التربية الأخلاقية القائمة على الشعور بوجود الرقيب على القول والعمل ، ولا يستطيع المؤمن التهرّب من ذلك الرقيب في جميع أحواله ، لأنه محيط بكلّ شيء ، وأقرب إليه من حبل الوريد ، ويعلم السرّ وأخفى ، وإنه سيحاسبه عن كلّ كبيرة وصغيرة فعلها ، ولا يعزب عنه مثقال ذرّة ، ولهذا يبقى المؤمن شاعراً بالمسؤولية ، خائفاً من عقاب الله وعذابه ، حتى لو سوّلت له نفسه الاختفاء عن الأنظار بجريرته ، وأمن من عقوبة القانون وسلطته ، إذ لا مفرّ من حكم الله وسلطانه .