ومنها : أن يقع بين لفظين في طرفي جملتين ، كقوله تعالى : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ) [البقرة : الآية ١٨٧] ، وقوله : (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ) [الممتحنة : الآية ١٠] ، وقوله : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : الآية ٥٢] ، وقول الحسن البصري : إن من خوّفك حتى تلقى الأمن ؛ خير ممّن أمّنك حتى تلقى الخوف ، وقول أبي الطيب :
فلا مجد في الدّنيا لمن قلّ ماله |
|
ولا مال في الدّنيا لمن قلّ مجده (١) |
وقول الآخر : [عتاب بن ورقاء]
إن الليالي للأنام مناهل |
|
تطوى وتنشر دونها الأعمار (٢) |
فقصارهنّ مع الهموم طويلة |
|
وطوالهنّ مع السّرور قصار |
ومنه الرجوع ، وهو : العود على الكلام السابق بالنقض لنكتة ، كقول زهير :
قف بالدّيار التي لم يعفها القدم |
|
بلى ، وغيّرها الأرواح والدّيم (٣) |
قيل : لما وقف على الديار تسلّطت عليه كآبة أذهلته ، فأخبر بما لم يتحقق فقال : لم يعفها القدم ، ثم ثاب إليه عقله ؛ فتدارك كلامه ؛ فقال : بلى وغيّرها الأرواح والدّيم ، وعلى هذا بيت الحماسة : [يزيد بن الطثرية]
أليس قليلا نظرة إن نظرتها |
|
إليك؟! وكلّا ليس منك قليل (٤) |
ونحوه :
فأفّ لهذا الدّهر ، لا بل لأهله (٥)
ومنه التّورية ، وتسمى الإيهام أيضا ، وهي : أن يطلق لفظ له معنيان : قريب ، وبعيد ، ويراد به البعيد منهما.
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو في ديوان المتنبي ٢ / ٢١٦.
(٢) البيتان من الكامل ، وهما بلا نسبة في الإشارات والتنبيهات ص ٢٤٦.
(٣) البيت من البسيط ، وهو في ديوان زهير بن أبي سلمى ص ١٤٥ ، ولسان العرب (وا) ، وتهذيب اللغة ١٥ / ٦٧٢ ، وتاج العروس (وا).
(٤) البيت من الطويل ، وهو ليزيد بن الطثرية في ديوانه ص ٩٧ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٣٤١ ، ولأعرابي من بني عقيل في الأغاني ٥ / ٣١٨ ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٤٠٢.
(٥) الشعر بلا نسبة في الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم ٢ / ٣٩٥.