فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) (٤٧) [الصّافات : الآية ٤٧] أي بخلاف خمور الدنيا فإنها تغتال العقول ؛ ولهذا لم يقدّم الظرف في قوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ) [البقرة : الآية ٢] لئلا يفيد ثبوت الرّيب في سائر كتب الله تعالى.
وإما للتنبيه من أول الأمر على أنه خبر لا نعت كقوله : [حسان بن ثابت]
له همم لا منتهى لكبارها |
|
وهمّته الصّغرى أجلّ من الدّهر (١) |
وقوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) [البقرة : الآية ٣٦].
وإما للتفاؤل ، وإما للتشويق إلى ذكر المسند إليه كقوله : [محمد بن وهيب الحميري]
ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها |
|
شمس الضّحى وأبو إسحاق والقمر (٢) |
وقوله : [أبو العلاء المعري] :
وكالنّار الحياة ؛ فمن رماد |
|
أواخرها ، وأوّلها دخان (٣) |
قال السكاكي رحمه الله : وحقّ هذا الاعتبار تطويل الكلام في المسند ، وإلّا لم يحسن ذلك الحسن.
تنبيه : كثير مما في هذا الباب والذي قبله غير مختص بالمسند إليه والمسند ، كالذكر ، والحذف ، وغيرهما مما تقدمت أمثلته ، والفطن إذا أتقن اعتبار ذلك فيهما لا يخفى عليه اعتباره في غيرهما.
القول في أحوال متعلّقات الفعل
حال الفعل مع المفعول كحاله مع الفاعل ، فكما أنك إذا أسندت الفعل إلى الفاعل ؛ كان غرضك أن تفيد وقوعه منه ، لا أن تفيد وجوده في نفسه فقط ؛ كذلك إذا عدّيته إلى المفعول ؛ كان غرضك أن تفيد وقوعه عليه ، لا أن تفيد وجوده في نفسه فقط ، فقد اجتمع الفاعل والمفعول في أن عمل الفعل فيهما إنما كان ليعلم التباسه بهما ، فعمل الرفع في الفاعل ليعلم التباسه به من جهة وقوعه منه والنصب في المفعول ليعلم التباسه به من جهة وقوعه عليه.
أما إذا أريد الإخبار بوقوعه في نفسه من غير إرادة أن يعلم ممّن وقع في نفسه ، أو
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لبكر بن النطاح في الإشارات والتنبيهات ص ٧٨.
(٢) البيت من البسيط ، وهو لمحمد بن وهيب الحميري في الإشارات والتنبيهات ص ٧٩.
(٣) البيت في مفتاح العلوم للسكاكي ص ٣٢٤ ، والإشارات والتنبيهات ص ٧٨.