مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) [المؤمنون : الآية ٨٢] فالجهة المنظور فيها هناك كونهم أنفسهم وآباؤهم ترابا ، والجهة المنظور فيها هنا كونهم ترابا وعظاما ، ولا شبهة أن الأولى أدخل عندهم في تبعيد البعث.
أو كما إذا عرفت في التأخير مانعا ، كما في قوله تعالى في سورة المؤمنين : (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ) [المؤمنون : الآية ٣٣] بتقديم المجرور على الوصف ؛ لأنه لو أخّر عنه ـ وأنت تعلم أن تمام الوصف بتمام ما يدخل في صلة الموصول ، وتمامه : (وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) [المؤمنون : الآية ٣٣] ـ لاحتمل أن يكون من صلة «الدنيا» واشتبه الأمر في القائلين ؛ أنهم من قومه أم لا ، بخلاف قوله تعالى في موضع آخر منها : (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) [المؤمنون : الآية ٢٤] فإنه جاء على الأصل بعدم المانع ، وكما في قوله تعالى في سورة طه : (آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى) [طه : الآية ٧٠] للمحافظة على الفاصلة ، بخلاف قوله تعالى في سورة الشعراء : (رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) (٤٨) [الشّعراء : الآية ٤٨].
وفيما ذكره نظر من وجوه :
أحدها : أنه جعل تقديم «لله» على «شركاء» للعناية والاهتمام ، وليس كذلك ؛ فإن الآية مسوقة للإنكار التوبيخي ؛ فيمتنع أن يكون تعلق «جعلوا» بـ «الله» منكرا من غير اعتبار تعلقه بـ «شركاء» إذ لا ينكر أن يكون جعل ما متعلقا به ، فيتعين أن يكون إنكار تعلقه به باعتبار تعلقه بـ «شركاء» وتعلّقه بـ «شركاء» كذلك منكر باعتبار تعلّقه بـ «الله» فلم يبق فرق بين التلاوة وعكسها.
وقد علم بهذا أن كل فعل متعدّ إلى مفعولين ، لم يكن الاعتناء بذكر أحدهما إلا باعتبار تعلقه بالآخر ؛ إذا قدّم أحدهما على الآخر ؛ لم يصح تعليل تقديمه بالعناية.
وثانيها : أنه جعل التقديم للاحتراز عن الإخلال ببيان المعنى والتقديم للرعاية على الفاصلة من القسم الثاني ، وليسا منه.
وثالثها : أن تعلّق «من قومه» بـ «الدنيا» على تقدير تأخره غير معقول المعنى إلا على وجه بعيد.
القول في القصر
القصر حقيقيّ وغير حقيقيّ ، وكل واحد منهما ضربان : قصر الموصوف على الصفة ، وقصر الصفة على الموصوف ، والمراد الصفة المعنوية لا النعت.