تقسيم السكاكي للبلاغة
وذكر السكاكي بعد الفراغ منه تفسير البلاغة بما نقلناه عنه في صدر الكتاب ثم قسّم الفصاحة إلى معنوية ولفظية.
وفسّر المعنوية بخلوص المعنى عن التعقيد ، وعنى بالتعقيد اللفظي على ما سبق تفسيره.
وفسّر اللفظية بأن تكون الكلمة عربية أصيلة.
وقال : وعلامة ذلك أن تكون على ألسنة الفصحاء من العرب الموثوق بعربيتهم أدور ، واستعمالهم لها أكثر ، لا مما أحدثه المولّدون ، ولا مما أخطأت فيه العامة ، وأن تكون أجرى على قوانين اللغة ، وأن تكون سليمة عن التنافر ؛ فجعل الفصاحة غير لازمة للبلاغة ، وحصر مرجع البلاغة في الفنّين ، ولم يجعل الفصاحة مرجعا لشيء منهما.
ثم قال : وإذا وقفت على البلاغة والفصاحة المعنوية واللفظية ، فأنا أذكر على سبيل الأنموذج آية أكشف لك فيها عن وجوه البلاغة والفصاحة ما عسى يسترها عنك ، وذكر ما أورده الزمخشري في تفسير قوله تعالى : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٤٤) [هود : الآية ٤٤] وزاد عليه نكتا لا بأس بها ، فرأيت أو أورد ما ذكره جاريا على اصطلاحه في معنى البلاغة والفصاحة.
قال :
أما النظر فيها من جهة علم البيان ، فهو أنه تعالى لما أراد أن يبيّن معنى : أردنا أن نردّ ما انفجر من الأرض إلى بطنها فارتدّ ، وأن نقطع طوفان السماء فانقطع ، وأن يغيض الماء النازل من السماء فغاض ، وأن يقضى أمر نوح ـ وهو إنجاز ما كنا وعدناه من إغراق قومه ـ فقضي ، وأن نسوّي السفينة على الجوديّ فاستوت ، وأبقينا الظّلمة غرقى ، بنى الكلام على تشبيه المراد منه بالمأمور الذي لا يتأتّى منه ـ لكمال هيبته ـ العصيان