خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (٢٦) [الأعراف : الآية ٢٦].
قال الزمخشري : هذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقيب ذكر السّوآت وخصف الورق عليها ، إظهارا للمنّة فيما خلق الله من اللباس ولما في العري وكشف العورة من المهانة والفضيحة ، وإشعارا بأن التستّر باب عظيم من أبواب التّقوى.
هذا أصله ، وقد يكون الثاني هو المقصود ؛ فيذكر الأول قبله ، ليتوصل إليه ، كقول أبي إسحاق الصابي :
إن كنت خنتك في المودّة ساعة |
|
فذممت سيف الدولة المحمودا (١) |
وزعمت أن له شريكا في العلى |
|
وجحدته في فضله التّوحيد |
قسما لو أني حالف بغموسها |
|
لغريم دين ، ما أراد مزيدا |
ولا بأس أن يسمى هذا إيهام الاستطراد.
ومنه المزاوجة ، وهي : أن يزاوج بين معنيين في الشرط والجزاء ، كقول البحتري :
إذا ما نهى النّاهي فلجّ بي الهوى |
|
أصاخت إلى الواشي فلجّ بها الهجر (٢) |
وقوله أيضا :
إذا احتربت يوما ففاضت دماؤها |
|
تذكّرت القربى ففاضت دموعها (٣) |
ومنه العكس والتبديل ، وهو : أن يقدّم في الكلام جزء ثم يؤخّر ، ويقع على وجوه :
منها : أن يقع بين أحد طرفي جملة وما أضيف إليه ، كقول بعضهم : «عادات السادات ، سادات العادات».
ومنها : أن يقع بين متعلقي فعلين في جملتين ، كقوله تعالى : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) [الرّوم : الآية ١٩] وكقوله ، الحماسيّ : [عبد الله بن الزبير]
فردّ شعورهنّ السّود بيضا |
|
وردّ وجوههنّ البيض سودا (٤) |
__________________
(١) الأبيات من الكامل ، وهي لأبي إسحاق الصابي في الإشارات والتنبيهات ص ٢٤٥.
(٢) البيت من الطويل ، وهو في ديوان البحتري ٢ / ٨٤٤.
(٣) البيت من الطويل ، وهو في ديوان البحتري ٢ / ١٢٩٩.
(٤) البيت من الوافر ، وهو لعبد الله بن الزبير في ملحق ديوانه ص ١٤٤ ، وتخليص الشواهد ص ٤٤٣ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٩٤١ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤١٧ ، ولأيمن بن خريم في ديوانه ص ١٢٦ ، ولفضالة بن شريك في عيون الأخبار ٣ / ٧٦ ، ومعجم الشعراء ص ٣٠٩ ، وللكميت بن معروف في ديوانه ص ١٩١ ، وذيل الأمالي ص ١١٥ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ١٥٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٢١٧ ، ولسان العرب (سمد).