ومنه قول أبي تمام :
من مبلغ أفناء يعرب كلّها |
|
أنّي بنيت الجار قبل المنزل (١)؟ |
وشهد رجل عند شريح ، فقال : إنك لسبط الشهادة ، فقال الرجل : إنها لم تجعّد عنّي ، فالذي سوّغ بناء الحار ، وتجعيد الشهادة ؛ وهو مراعاة المشاكلة ولو لا بناء الدار لم يصحّ بناء الجار ، ولو لا سبوطة الشهادة لامتنع تجعيدها ، ومنه قول بعض العراقيين في قاض شهد عنده برؤية هلال الفطر ، فلم يقبل شهادته : [الصاحب بن عباد]
أترى القاضي أعمى |
|
أم تراه يتعامى؟! (٢) |
سرق العيد كأن |
|
العيد أموال اليتامى |
وأما الثاني فكقوله تعالى : (صِبْغَةَ اللهِ) [البقرة : الآية ١٣٨] وهو مصدر مؤكد منتصب عن قوله : (آمَنَّا بِاللهِ) [البقرة : الآية ٨] والمعنى : تطهير الله ؛ لأن الإيمان يطهّر النفوس ، والأصل فيه أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ، ويقولون : هو تطهير لهم ؛ فأمر المسلمون أن يقولوا لهم : (قُولُوا : آمَنَّا بِاللهِ) وصبغنا الله بالإيمان صبغة لا مثل صبغتنا ، وطهّرنا به تطهيرا لا مثل تطهيرنا ، أو يقول المسلمون : صبغنا الله بالإيمان صبغة ، ولم يصبغ صبغتكم ، وجيء بلفظ الصبغة للمشاكلة ، وإن لم يكن قد تقدم لفظ الصبغ ؛ لأن قرينة الحال ـ التي هي سبب النزول ، من غمس النصارى أولادهم في الماء الأصفر ـ دلّت على ذلك ، كما تقول لمن يغرس الأشجار : اغرس كما يغرس فلان ، تريد رجلا يصطنع الكرام.
ومنه الاستطراد ، وهو : الانتقال من معنى إلى معنى آخر متصل به لم يقصد بذكر الأول التوصل إلى ذكر الثاني ، كقول الحماسي : [السموأل]
وإنا لقوم ما نرى القتل سبّة |
|
إذا ما رأته عامر وسلول (٣) |
وقول الآخر : [زياد الأعجم]
إذا ما اتّقى الله الفتى ، وأطاعه |
|
فليس به بأس وإن كان من جرم (٤) |
وعليه قوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ
__________________
(١) البيت من الكامل ، وهو في ديوان أبي تمام ٣ / ٤٩.
(٢) البيتان من مجزوء الرمل ، وهما للصاحب بن عباد في ديوانه ص ٢٨٦ ، ويتيمة الدهر للثعالبي ٣ / ٢٤٥.
(٣) البيت من الطويل ، وهو للسموأل بن عادياء في ديوانه ص ٩١.
(٤) البيت من الكامل ، وهو لزياد الأعجم في كتاب الصناعتين ص ٣٩٩.