وكقوله تعالى : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) [البقرة : الآية ٦١] جعلت الذلة محيطة بهم مشتملة عليهم ؛ فهم فيها كما يكون في القبة من ضربت عليه ، أو ملصقة بهم حتى لزمتهم ضربة لازب كما يضرب الطين على الحائط فيلزمه ؛ فالمستعار منه إما ضرب القبة على الشخص ، وإما ضرب الطين على الحائط ، وكلاهما حسي ، والمستعار له حالهم مع الذلة ، والجامع الإحاطة أو اللزوم وهما عقليان.
وأما استعارة معقول لمحسوس ، فكقوله تعالى : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ) [الحاقّة : الآية ١١] فإن المستعار له كثرة الماء وهو حسي ، والمستعار منه التكبّر ، والجامع الاستعلاء المفرط ، وهما عقليان. وأما باعتبار اللفظ فقسمان :
لأنه إن كان اسم جنس فأصليّة ، كأسد ، وقتل.
وإلا فتبعيّة ، كالأفعال والصفات المشتقة منها ، والحروف ، لأن الاستعارة تعتمد التشبيه ، والتشبيه يعتمد كون المشبه موصوفا ، وإنما يصلح للموصوفية الحقائق ، كما في قولك : جسم أبيض ، وبياض صاف دون معاني الأفعال ، والصفات المشتقة منها ، والحروف.
فإن قلت : فقد قيل في نحو «شجاع باسل وجواد فيّاض وعالم نحرير» إنّ «باسلا» وصف لـ «شجاع» و «فياضا» وصف لـ «جواد» و «نحريرا» وصف لـ «عالم».
قلت : ذلك متأوّل بأن الثواني لا تقع صفات إلا لما يكون موصوفا بالأول.
فالتشبيه في الأفعال والصفات المشتقة منها لمعاني مصادرها ، وفي الحروف لمتعلقات معانيها ، كالمجرور في قولنا : زيد في نعمة ورفاهية فيقدر التشبيه في قولنا : «نطقت الحال بكذا» والحال ناطقة بكذا للدلالة بمعنى النطق.
وعليه في التهكمية قوله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [آل عمران : الآية ٢١] بدل : «فأنذرهم» ، وقوله تعالى : (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) [هود : الآية ٨٧] بدل : «السفيه الغوي».
وفي لام التعليل كقوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : الآية ٨] للعداوة والحزن الحاصلين بعد الالتقاط ، بالعلة الغائيّة للالتقاط.
ومما يتصل بهذا أن «يا» حرف وضع في أصله لنداء البعيد ، ثم استعمل في مناداة القريب ؛ لتشبيهه بالبعيد ، باعتبار أمر راجع إليه ، أو إلى المنادى.
أما الأول فكقولك لمن سها وغفل وإن قرب : يا فلان.