ومأجوج ، وهما حسّيان ، والجامع لهما ما يشاهد من شدة الحركة والاضطراب.
وأما قوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) [مريم : الآية ٤] فليس مما نحن فيه وإن عدّ منه لأن فيه تشبيهين : تشبيه الشيب بشواظ النار في بياضه وإنارته ، وتشبيه انتشاره في الشعر باشتعالها في سرعة الانبساط مع تعذر تلافيه ، والأول استعارة بالكناية ، والجامع في الثاني عقلي ، وكلامنا في غيرهما.
وأما استعارة محسوس لمحسوس بوجه عقلي فكقوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) [يس : الآية ٣٧] فإن المستعار فيه كشط الجلد وإزالته عن الشاة ونحوها ، والمستعار له إزالة الضوء عن مكان الليل وملقى ظله ، وهما حسيان ، والجامع لهما ما يعقل من ترتّب أمر على آخر.
وقيل : المستعار له ظهور النهار من ظلمة الليل ، وليس بسديد ؛ لأنه لو كان ذلك لقال : (فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) [الأعراف : الآية ٢٠١] ونحوه ، ولم يقل : (فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) [يس : الآية ٣٧] أي : داخلون في الظلام.
قيل : ومنه قوله تعالى : (إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) [الذاريات : الآية ٤١] فإن المستعار منه المرأة ، والمستعار له الريح ، والجامع المنبع من ظهور النتيجة والأثر ؛ فالطرفان حسيان ، والجامع عقلي.
وفيه نظر لأن العقيم صفة للمرأة لا اسم لها ، وكذلك جعلت صفة للريح لا اسما.
والحق إن المستعار منه ما في المرأة من الصفة التي تمنع من الحمل ، والمستعار له ما في الريح من الصفة التي تمنع من إنشاء مطر وإلقاح شجر ، والجامع لهما ما ذكر.
وأما استعارة محسوس لمحسوس بما بعضه حسي وبعضه عقلي فكقولك : «رأيت شمسا» وأنت تريد إنسانا شبيها بالشمس في حسن الطلعة ونباهة الشأن ، وأهمل السكاكي هذا القسم.
وأما استعارة معقول لمعقول فكقوله تعالى : (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) [يس : الآية ٥٢] فإن المستعار منه الرقاد ، والمستعار له الموت ، والجامع لهما عدم ظهور الأفعال ، والجميع عقلي.
وأما استعارة محسوس لمعقول فكقوله تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) [الحجر : الآية ٩٤] فإن المستعار منه صدع الزجاجة ـ وهو كسرها ـ وهو حسي ، والمستعار له تبليغ الرسالة ، والجامع لهما التأثير ، وهما عقليان كأنه قيل : أبن الأمر إبانة لا تنمحي كما لا يلتئم صدع الزجاجة.