الذي يسوغ في الحلق ، ومع النسيم الذي يسري في البدن ، فيتخلّل المسالك اللطيفة منه ؛ فيفيدان النفس نشاطا وروحا.
وشأنها مع الشّبهة التي تمنع القلب إدراك ما هي شبهة فيه ؛ كشأنها مع الحجاب الحسّي الذي يمنع أن يرى ما يكون من ورائه ، ولذلك توصف بأنها اعترضت دون الذي يروم القلب إدراكه.
قال الشيخ صاحب المفتاح : وتسامحهم هذا لا يقع إلا حيث يكون التشبيه في وصف اعتباري ، كالذي نحن فيه. وأقول : يشبه أن يكون تركهم التحقيق في وجه الشبه على ما سبق التنبيه عليه من تسامحهم هذا. انتهى كلامه. والقريب المبتذل ، وهو ما ينتقل فيه من المشبه إلى المشبه به من غير تدقيق نظر ؛ لظهور وجهه في بادىء الرأي ، وسبب ظهوره أمران :
الأول : كون الشبه أمرا جمليّا ، فإن الجملة أسبق أبدا إلى النفس من التفصيل ، ألا ترى أن الرؤية لا تصل في أول أمرها إلى الوصف على التفصيل؟ لكن على الجملة ، ثم على التفصيل ، ولذلك قيل : النظرة الأولى حمقاء ، وفلان لم ينعم النظر.
وكذا سائر الحواس ؛ فإنه يدرك من تفاصيل الصوت والذوق في المرة الثانية ما لم يدرك في المرة الأولى ، فمن يروم التفصيل كمن يبتغي الشيء من بين جملة ، يريد تمييزه مما اختلط به ، ومن يروم الإجمال كمن يريد أخذ الشيء جزافا.
وكذا حكم ما يدرك بالعقل ، ترى الجمل أبدا تسبق إلى الذهن ، والتفاصيل مغمورة فيها ، لا تحضر إلا بعد إعمال الرّويّة.
والثاني : كونه قليل التفصيل مع غلبة حضور المشبه به في الذهن : إما عند حضور المشبه لقرب المناسبة بينهما ، كتشبيه العنبة الكبيرة السوداء بالإجاصة في الشكل وفي المقدار ، والجرّة الصغيرة بالكوز كذلك ، وإما مطلقا ؛ لتكرّره على الحسّ ، كما مر من تشبيه الشمس بالمرآة المجلوّة في الاستدارة والاستنارة ، فإن قرب المناسبة والتكرّر كل واحد منهما يعارض التفصيل ؛ لاقتضائه سرعة الانتقال.
والبعيد الغريب ، وهو ما لا ينتقل فيه من المشبه إلى المشبه به إلا بعد فكر ، لخفاء وجهه في بادىء الرأي ، وسبب خفائه أمران :
أحدهما : كونه كثير التفصيل كما سبق من تشبيه الشمس بالمرآة في كفّ الأشلّ. فإن ما ذكرناه من الهيئة لا يقوم في نفس الرائي للمرآة الدائمة الاضطراب إلا أن يستأنف تأمّلا ، ويكون في نظره متمهّلا.