فبالغ في وصف الحبر بالسواد حين شبهه بالليل ؛ فكأنه نظر إلى قول العامّة في الشيء الأسود : «هو كالنّفس» (١) ثم تركه للقافية إلى المداد.
ومنها : تزيينه للترغيب فيه ، كما في تشبيه وجه أسود ، بمقلة الظبي.
ومنها : تشويهه للتنفير عنه ، كما في تشبيه وجه مجدور بسلحة جامدة قد نقرتها الدّيكة.
وقد أشار إلى هذين الغرضين ابن الرومي في قوله :
تقول : هذا مجاج النّحل ؛ تمدحه |
|
وإن تعب قلت : ذا قيء الزّنابير (٢) |
ومنها : استطرافه ، كما في تشبيه فحم فيه جمر موقد ببحر من المسك موجه الذهب ؛ لإبرازه في صورة الممتنع عادة.
وللاستطراف وجه آخر ، وهو أن يكون المشبّه به نادر الحضور إما مطلقا كما مرّ ، وإما عند حضور المشبّه كما في قوله : [ابن الرومي]
ولا زورديّة تزهو بزرقتها |
|
بين الرّياض على حمر اليواقيت (٣) |
كأنها فوق قامات ضعفن بها |
|
أوائل النار في أطراف كبريت |
فإن صورة النار بأطراف الكبريت ، لا يندر حضورها في الذهن ندرة صورة بحر من المسك موجه الذهب ، وإنما النادر حضورها عند حضور صورة البنفسج ، فإذا أحضر مع صحة الشّبه استطرف لمشاهدة عناق بين صورتين لا تتراءى ناراهما.
ومما يؤيّد هذا ما يحكى أن جريرا قال : أنشدني عديّ :
عرف الدّيار توهّما فاعتادها (٤)
فلما بلغ إلى قوله :
__________________
(١) النفس : الجد ، وهو المداد الذي يكتب به.
(٢) البيت من الوافر.
(٣) البيتان من البسيط ، وهما لابن الرومي في ديوانه ١ / ٣٩٤ ، وأسرار البلاغة ص ١٤٧ ، ولابن المعتز في ديوان المعاني ٢ / ٢٤.
(٤) عجز البيت :
من بعد ما شمل البلى أبلادها
والبيت من الكامل ، وهو لعدي بن الرقاع في ديوانه ص ٣٣ ، ولسان العرب (بلد) ، والتنبيه والإيضاح ٢ / ١١ ، ومقاييس اللغة ١ / ٢٩٩ ، ومجمل اللغة ١ / ٢٩١ ، وتهذيب اللغة ١٤ / ١٢٩ ، والطرائف الأدبية ص ٨٧ ، وتاج العروس (بلد) ، والأغاني ١ / ٢٩٠.