جواز وجوده على الجملة ، حتى يجيء إلى إثبات وجوده في الممدوح ؛ فقال :
فإن المسك بعض دم الغزال
أي : ولا يعدّ في الدّماء ؛ لما فيه من الأوصاف الشريفة التي لا يوجد شيء منها في الدّم ، وخلوّه من الأوصاف التي كان لها الدّم دما ؛ فأبان أن لما ادعاه أصلا في الوجود على الجملة.
ومنها : بيان حاله ، كما في تشبيه ثوب بثوب آخر في السواد ، إذا علم لون المشبه به دون المشبه.
ومنها : بيان مقدار حاله في القوة والضعف والزيادة والنقصان ، كما في قوله : [أبو تمام]
مداد مثل خافية الغراب (١)
وعليه قول الآخر :
فأصبحت من ليلى الغداة كقابض |
|
على الماء خانته فروج الأصابع (٢) |
أي : بلغت في بوار سعيي في الوصول إليها وأن أمتّع بها ؛ أقصى الغايات ، حتى لم أحظ منها بما قلّ ولا بما كثر.
ومنها : تقرير حاله في نفس السامع ، كما في تشبيه من لا يحصل على سعيه على طائل بمن يرقم على الماء ، وعليه قوله عز وجل : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) [الأعراف : الآية ١٧١] فإنه بيّن ما لم تجر به العادة بما جرت به العادة.
وهذه الوجوه تقتضي أن يكون وجه المشبه به أتمّ ، وهو به أشهر ؛ ولهذا ضعف قول البحتري :
على باب قنّسرين واللّيل لاطخ |
|
جوانبه من ظلمة بمداد (٣) |
فإنه ربّ مداد فاقد اللون ، والليل بالسواد وشدّته أحقّ وأحرى ، ولهذا قال ابن الرومي :
حبر أبي حفص لعاب الليل |
|
يسيل للإخوان أيّ سيّل (٤) |
__________________
(١) عجز البيت :
وقرطاس كرقراق السحاب
والبيت بلا نسبة في الإشارات والتنبيهات ص ١٦٧.
(٢) البيت من الطويل ، وهو للمجنون في ديوانه ص ١٩٧ ، وأسرار البلاغة ص ١٣٩.
(٣) البيت من الكامل ، وهو في ديوان البحتري ٢ / ٦٧٥.
(٤) البيت في ديوان ابن الرومي ١ / ٢٧٩.