ولو كان الخصم حاضرا وسمع الشاهدان الدعوى والإنكار والشهادة وحكم الحاكم عليه بها ، وأشهدهما على حكمه ، أنفذه الثاني ، لا أنه يحكم بصحته في نفس الأمر.
______________________________________________________
والجواب أنه حكم بدليل ومن علم ، فإنه قد ثبت كون قول الحاكم حجة ومقبولا ، وأن ردّه ردّ على الله ، فيكون كل ما ثبت أنه حكم ، يكون مقبولا وحجة ولا شكّ في ثبوته بالشهود ، وبالمشافهة ، فإنه عدل يخبر عن فعله ، فيقبل وبالجملة ينبغي المدار على الثبوت ، وعدم النزاع في القبول بعده ، فتأمّل.
قوله : «ولو كان الخصم إلخ». ما تقدّم كان في الخصم الغائب ، وهذا فيما إذا كان الخصم حاضرا. ولو كان الخصم الذي هو الغريم حاضرا ـ لا غائبا وسمع الشاهدان الدعوى وإنكاره ، وسمعا شهادة شاهدي الأصل ، وسمعا حكم الحاكم على الخصم بما ادّعي عليه ، وأشهدهما الحاكم على حكمه ذلك ، وثبت ذلك عند الحاكم الثاني بالشاهدين أنفذه. أي يجب على الحاكم الثاني ، إجراء ذلك الحكم ، والعمل بمقتضاه ، ولا يستأنف الخصومة ، ولا يحكم بصحته في نفس الأمر. إذ قد لا يكون كذلك ، لاحتمال كذب الدعوى والشهود.
وهكذا كلّ الأحكام ، إلّا أن يريد من الصحة في نفس الأمر ، مجرد العمل بالمقتضى ، لا مطابقته لما في نفس الأمر ، فإن ذلك لا يعتبر في حاكم حتى النبيّ والأئمة صلوات الله عليهم.
ولهذا روي عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم : (إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان ، وبعضكم ألحن بحجته من بعض ، فأيما رجل له من مال أخيه شيئا فإنما قطعت له قطعة النار)(١).
وهو ظاهر ، ولكن اشتراط هذه الشرائط كلها غير ظاهر ، ويمكن فهمه ممّا
__________________
(١) الوسائل كتاب القضاء باب ٢ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى حديث ١ ج ١٨ ص.